ليست الولاياتالمتحدة، وهي إحدى أكثر الدول تداينا من الصين، غير آبهة لمساعي بكين الاقتصادية في إفريقيا أو غيرها من دول العالم، وكثيرا ما اعتبر مختصون في السياسة الخارجية الأمريكية أن اهتمام واشنطن العسكري بإفريقيا ينبع بالأساس من مخاوف من تصاعد الدور الصيني في القارة السمراء ويرون أيضا أن الاستراتيجية الشاملة في عهد أوباما انبنت على ضرورة الاهتمام بالدول الآسيوية ومواجهة تصاعد الدور الصيني في العالم. وهي تأتي في سياق أطروحات تتوقع نهاية قوة الولاياتالمتحدة وتتصور العالم ما بعد أمريكيا ولكن هذه الأطروحات قد دحضها منظرون أمريكيون يعتبرون أن قوة الولاياتالمتحدةالأمريكية تبني على أسس لا يمكن زعزعتها بسهولة ترتبط بإستراتيجية متداخلة لإبقاء الولاياتالمتحدة على القمة. كما أن عودة الصين إلى التعامل مع العالم الخارجي جاءت عن طريق الولاياتالمتحدة فقد كان قرار ماو تسي تونغ استقبال الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بداية مرحلة جديدة بالنسبة إلى الصين بعد أن أغلقت أبوابها أمام العالم الخارجي لعقود. توازن رعب «مالي» إلا أن الديون الأمريكية لدى الصين يمكن أن تعد من بين أهم الأسلحة التي يمتلكها التنين المستيقظ منذ سنوات في وجه القوة العسكرية الأولى في العالم. وفي الحقيقة طرحت صحيفة «دايلي تلغراف» هذا الموضوع من مقاربة تبرز الازدواجية التي تعيشها الصين بين قدرتها الفعلية على «تدمير» الولاياتالمتحدة وبين امتناعها عن استخدام هذا السلاح ذي الطبيعة المالية في وجه واشنطن. تمتلك بكين 1.2 ترليون دولار من أذونات الخزانة الأمريكية ويشير هنا كاتب المقال إفانزر بريتشارد في «دالي تلغراف» إلى أن القوميين الصينيين يعتبرون أن إجراءات بسيطة مثل تصفية أذونات السندات الأمريكية وتحويلها إلى عملات أخرى من شأنها أن تزرع الفزع في سوق السندات الأمريكية الأمر الذي يمكن أن ينجر عنه زيادة عجز الميزانية الأمريكية ومن ثمة يمكن أن تنتقل العدوى إلى الرهن العقاري الأمريكي مما من شأنه أن يفجر «أزمة ترامب» شبية ربما بأزمة 2008 التي توسع تأثيرها إلى مختلف الاقتصاديات المرتبطة بالاقتصاد الأمريكي والتي مازالت آثارها واضحة على الاقتصاد الأمريكي بحسب متابعي الشأن الاقتصادي إلى اليوم. هذا السلاح الذي تملكه الصين بإمكانه من أن يصنع نوعا من توازن الرعب المالي لأن استخدامه للتهديد أنجع بكثير من نتائجه الفعلية نظرا إلى أن مثل هذه الإجراءات تنعكس كذلك على الاقتصاد الصيني. برنامج الصواريخ البالستية الأكثر تقدما هذا السلاح «المالي يبقى أقوى بكثير من المخاوف العسكرية الأمريكية من الصين. فالصين بصدد توسيع قدراتها العسكرية الدفاعية في الوقت الذي يتعاظم فيه تهديدها المالي. إذ تمتلك الصين حاليا مئات الأسلحة النووية القادرة على أن توجهها ضد أي مكان في العالم كما أنها تمتلك برنامج صواريخ بالستية يعد الأكثر تطورا في العالم. وهذه القوة العسكرية هي التي تدفع بمحللين أمريكيين إلى الحديث عن أن قدرة الولاياتالمتحدة على حماية حلفائها وضمان حرية التجارة واستمرارية تدفقها في المناطق القريبة من الصين محل تساؤل. في الخطاب الرسمي الأمريكي تعد الصين منافسا ومصدر تحد للإدارة الحالية بالرغم من أن تخصيص ميزانيات لمواجهة تنامي القوة الدفاعية الصينية ليس من أولويات ترامب ولكن ضمن المنظومة الكاملة للإستراتيجية الأمريكية في سياستها الخارجية تمثل الصين تحديا للقوة الأمريكية عسكريا وماليا. وتبقى كيفية تعامل إدارة ترامب مع هذا التحدي -مقارنة بإدارة أوباما التي اعتبرته أولوية- هي التي ستحدد النتائج في ظل اختلاف المقاربات واستمرارية السياق على حاله.