بعد حوالي عام وعشرة أشهر من عرض برنامج حكومته على مجلس نواب الشعب وحصولها على الثقة بالأغلبية المطلقة يجدد يوسف الشاهد التأكيد على مدى حاجة تونس إلى تنفيذ الإصلاحات الكبرى دون تردد وربط بين غياب (أو تغييب) الإصلاحات والأزمة المالية التي لم تشهد البلاد مثيلا لها من قبل. وبقطع النظر عما تضمنته كلمة رئيس الحكومة في الندوة الوطنية للإصلاحات الكبرى من توضيحات حول مسائل تشغل البال حاليا، مثل التفويت في المؤسسات العمومية والصعوبات التي تمر بها الصناديق الاجتماعية ومنظومة الدعم، تبدو الكلمة اجترارا ل»مستقبل الحاضر في حضرة الماضي» في سياق موضوع هام جدا كان يفترض أن تمضي فيه الحكومة أشواطا منذ توليها مهامها. ولأن الحكومة لم تشذ عن سابقاتها بإهدارها فرص الإصلاح ومن ثم الإصلاحات الكبرى فهي إضافة إلى كونها تدفع ثمن كل التأخير المحسوب على حكومات ما بعد الثورة فإن واقع الحال لا يبرئها من انخراطها في التأخير سواء كان بفعل العراقيل والقضايا المفتعلة التي أصبحت تستهوي الطبقة السياسية أو بسبب اجتهاد في تحديد الأولويات رغم تحديد «وثيقة قرطاج» خارطة طريق لحكومة الوحدة الوطنية. وبات واضحا أنه أمام تعدد المواقف المنتقدة لأداء الحكومة وتصاعد أصوات منادية بتحوير جزئي عليها أو بحكومة جديدة، أن الخيارات أصبحت جد محدودة لدى الشاهد بتقلص هامش المناورة لديه بالنظر إلى تصاعد حدة لهجة المنتقدين لأداء الحكومة التي حملوها مسؤولية تدهور المالية العمومية وانهيار الدينار وارتفاع نسبة التضخم والمديونية. إنه هجوم معاكس ارتأى الشاهد اللجوء إليه في ربع الساعة الأخير أي قبيل بضعة أسابيع من الانتخابات البلدية بينما تزداد العلاقة مع اتحاد الشغل توترا مما يطرح عدة أسئلة بخصوص ما يمكن للحكومة تنفيذه من إصلاحات وكيفية تحقيق مؤشرات تدفع إلى الأمل والتفاؤل لدى المواطن التونسي اليائس من الطبقة السياسية ومن وضعية مخبر التجارب التي أصحبت عليها تونس منذ سبع سنوات. إن الإصلاحات الكبرى تحيل مباشرة على سنوات عدة لا أحد يعلم مداها فيما أن دافعي الضرائب ينزلون تدريجيا نحو الفقر وبالتالي يهمهم كثيرا بالتوازي مع تلك الإصلاحات استعادة المواد الغذائية والخضر واللحوم والأسماك مكانتها عندهم بأسعار معقولة والعودة إلى المسكن الاجتماعي وغيرها من أحلام اليقظة في ظل الخضوع المطلق لاقتصاد السوق والتنفيذ «الحَرفي» لتعليمات صندوق النقد الدولي بينما تتيه العدالة الاجتماعية في زحمة توارد أفكار الليبراليين الجدد وغياب البدائل.