ما يلفت النظر من خلال لقاءات يوسف الشاهد مع عدد من مسؤولي الدول الأوروبية التي زارها مع النواب في البرلمان الأوروبي هو تعدد التساؤلات وتجددها وذلك في علاقة ببعض المسائل التي لا بد من القول إنها داخلية حتى وإن كان بعضها في دائرة مجموعة القيم الكونية. ولئن اقتصرت التساؤلات على مسائل من قبيل هيئة الحقيقة والكرامة والتعذيب وحقوق الإنسان والإرهاب والهجرة السرية والانتخابات البلدية والقائمات السوداء فإن في طريقة طرحها ما يتجاوز الجوانب المتعارف عليها في التعامل بين الدول، بل لم يعد المرء متأكدا بخصوص طبيعة هذا الاهتمام ودلالاته الرمزية ومن ثَم أبعاده . صحيح أنه من الناحية النظرية أصبح من المستحيل التقوقع والانكفاء على الذات في ظل العولمة غير أن تعامل الاتحاد الأوروبي ودوله مع دول أخرى فيه اختلاف للمكاييل ومهادنات وغض الطرف لمصالح ما، فلو تعلق الأمر بالصين، مثلا، ما كان النواب الأوروبيون يصلون في «صراحتهم» وموضوعيتهم حد التساؤل عن هيمنة الحزب الشيوعي على البلاد واقتصادها، ولو فعلوا ذلك لكانت النتيجة ما لقيه الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي من الرئيس الروسي بوتين من إهانة. نفهم جيدا ونعي أن تونس ليست الصين لكن إذا كانت العلاقات التونسية الأوروبية مبنية، نظريا، على الاحترام المتبادل والمصالح المتبادلة على الطرف الرسمي الأوروبي الاكتفاء بما يزوده به سفراء دوله ومخابراتها من معطيات عن بلادنا بدل ما بدا أنه مقايضة ملفات اقتصادية بمسائل داخلية بحتة. ولا يعني هذا أن ما تحقق في تونس على أصعدة حقوق الإنسان ومكافحة الفساد هو انجازات كبرى وفق المقاييس والمعايير الدولية لكن أيضا لا بد من التأكيد على ان المصالحة الوطنية مسألة تونسية بحتة وأن هيئة الحقيقة والكرامة ومهما كان الخلاف معها أو حولها لا يجب أن يتجاوز الحدود، فقد يكون هناك اختلاف في الرؤى والتقييم لكن لدينا مجتمع مدني بأحزابه ومنظماته ما يحول دون أية تجاوزات. ما يحز في النفس أن أوروبا مازالت تنظر إلى دول من الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط على كونها تفتقر إلى النضج السياسي والقانوني وبالتالي تبقى في حاجة إلى توجيه وإرشاد، وبدا واضحا أن التجربة التونسية التي، من سوء الحظ، لم ننجح في التسويق لها في المجتمع الدولي لم ينظر إليها الاتحاد الأوروبي بصورة إجمالية بقدر ما كان حشد السلبيات عماد نظرته وتقييمه.