لم تفلح الأحزاب في رهانها على أن تحدث نتائج الانتخابات البلدية تغييرات عميقة في المشهد السياسي الحالي يمكن عبرها لحزب سياسي معين التسلح بالشرعية الانتخابية او شرعية التفويض الشعبي من أجل الدفع بوجهة نظر في اتجاه معين او التأثير في حسم نقاط خلافية استنادا إلى القوة التفاوضية.. فالنتائج أفرزت تقريبا نفس الخارطة السياسية فلا غالب ولا مغلوب على مستوى الأحزاب المتصدرة.. وهذا الأمر مرتبط أساسا وبالتحديد في مفاوضات ما يسمى ب»وثيقة قرطاج 2» التي أريد لها أن تكون مرجعا توافقيا سياسيا على مجمل ملامح ما تبقى من الفترة النيابية الحالية التي تنتهي في أكتوبر 2019. ومعلوم ان من بين النقاط الخلافية المزمنة المرحّلة من قبل لجنة خبراء الموقعين على وثيقة قرطاج، تتمحور في المحور السياسي المتعلق بمصير حكومة الشاهد الحالية وفي تركيبة الحكومة المقبلة وشخصية رئيس الحكومة، على اعتبار وجود ضغط من قبل اتحاد الشغل وحركة نداء تونس في اتجاه إحداث تغيير جذري في تركيبة الحكومة، مستندة في ذلك إلى مؤشرات موضوعية تقر بفشل الحكومة، مقابل موقف مضاد تقوده حركة النهضة يدعو إلى الاكتفاء بتحوير وزاري طفيف مع الإبقاء على يوسف الشاهد. مبررها في ذلك بان المرحلة المتبقية حتى الانتخابات المقبلة قصيرة والبلاد بحاجة الى مرحلة الاستقرار السّياسي. فضلا عن أن اجتماع الرؤساء الموقعين على وثيقة قرطاج سيتناول مسائل خلافية أخرى لا تقل أهمية متصلة بمحور الإصلاحات الكبرى وفي نقطة تهم التزام الحكومة المقبل بتنفيذ اتفاقياتها المبرمة مع اتحاد الشغل.. مصير حكومة الشاهد والنقاط الخلافية الأخرى ستكون دون شك من أبرز محاور اجتماع لجنة رؤساء قرطاج التي ستنعقد غدا الاثنين بحضور رئيس الجمهورية.. اجتماع سبقته لقاءات تحضيرية وتصريحات لافتة للانتباه داعمة لهذا الموقف او ذاك.. فقد التقى رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي قبل يومين برئيس الحكومة يوسف الشاهد، وقد تمّ التطرق فيه إلى وثيقة قرطاج 2 والاجتماع المرتقب.. كما أن الاجتماع الذي دعا إليه يوسف الشاهد أول أمس الجمعة سفراء السبع دول الكبار ليس بمعزل عن مسار كسب الدعم والتأييد الذي إليه رئيس الحكومة لتعزيز موقف حكومته ومحاولة بعث رسائل مشفرة لمن يرغبون في تنحيته او ازاحة حكومته بالكامل.. واللافت للانتباه في هذا الاتجاه التصريح الغريب الذي أدلى به سفير فرنسابتونس أوليفيي بوافر دارفور الذي ثمن اثر هذا الاجتماع المؤشرات الإيجابية التي سجلتها الحكومة الحالية لاسيما على الصّعيد الاقتصادي، مؤكّدا أنّها مطمئنة، ومحفّزة على عودة النمو والإستثمار.. وقال السّفير الفرنسي وفق بلاغ لرئاسة الحكومة :"ثقتنا بالغة في هذه الحكومة لقيادة وإنجاح مجمل الإصلاحات التي وضعتها، بما يجعل من تونس نموذجا مثاليا يحتذى في المنطقة، وفرنسا ستبقى داعما دائما لتونس". في المقابل، لا ينفك نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل يتمسك مع كل مؤتمر قطاعي او جهوي يشرف عليه في دعوة صريحة او مبطنة إلى ضرورة ضخ دماء جديدة في الحكومة أو القيام بتعديل وزاري شامل.. كما يواصل انتقاده للحكومة ويؤكد أنها «لم تخلف إلا الأوجاع والبلاد لم تعد تتحمل الانتظار..». واعتبر الطبوبي، في آخر تصريحاته أن الفترة القادمة ستكون مفصلية بالنسبة للمنظمة الشغيلة وللبلاد. وبين خلال كلمة القاها بمناسبة انعقاد مؤتمر الاتحاد الجهوي للشغل بمنوبة أمس السبت، أن وثيقة قرطاج 2 استكملت أولوياتها، معلنا اجتماع رؤساء الأحزاب والمنظمات الممضية على وثيقة قرطاج غدا الاثنين لبحث هذه الأولويات. وترجح مصادر اعلامية وسياسية ان موقف اتحاد الشغل على الأقل في الجانب السياسي منه تدعمه قيادات فاعلة في حركة نداء تونس، كما تجد لها صدى داخل اتحاد الأعراف، لكن مع ذلك لا بد من الاقرار بوجود خلافات عميقة الاتحاد والنداء في ما يتعلق بالملف الاجتماعي مما يتطلب وجود تنازلات من هذا الفريق او ذلك.. يذكر أن اللجنة الفنية المنبثقة عن لجنة الرؤساء للموقعين على وثيقة قرطاج، أحالت خلال الأسبوع الماضي مشروع تقرير تضمن أولويات عدة محاور اقتصادية واجتماعية وسياسية لما يعرف ب"وثيقة قرطاج2" إلى مصالح رئاسة الجمهورية. وتضمن التقرير مقترحات بخصوص مكافحة التهريب والتجارة الموازية والإصلاح الجبائي وتسريع نسق النمو والسياسات الاقتصادية والإصلاحات الكبرى..