بينما ما تزال العمليات العسكرية جارية سواء في العراقوسوريا واليمن وبينما يتعثر المسار الانتخابي ومن ثم المصالحة بين الفرقاء الليبيين بدا منذ أشهر الحديث عن عملية إعادة الإعمار في تلك الدول بل يبدو، وفق تقارير صحفية، أن معظم القوى الإقليمية والأجنبية الفاعلة قد حددت نصيبها من «كعكة الربيع العربي». وحسب بعض التقديرات «المسربة» تبلغ كلفة الإعمار في سوريا 200 مليار دولار و100 مليار دولار في اليمن ونفس المبلغ في ليبيا، هذا طبعا دون احتساب التكلفة التي دفعتها الشعوب من أرواح أبنائها وعذابات النزوح والهجرة والخصاصة والمعاناة النفسية، لكن هذا الأمر لن يحرك مشاعر مدبري تلك الحروب بقدر سعيهم إلى الاستفادة من المأساة ككل. وبما أننا بلد مجاور لليبيا التي وقف الشعب التونسي معها في محنتها ووجد الاخوة الليبيون في بلدنا ملاذا آمنا لا ندري ما الذي أعدته السلطات التونسية بالتعاون مع السلطات الليبية من عروض للمساهمة في إعادة الإعمار بليبيا ليس كثمن لاستضافة إخواننا أو تزويد الشعب الليبي بحاجياته الحياتية بل كبلد يحق له توفير أسواق لشركاته في مختلف المجالات مثلما هو شأن بقية الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة. وإذا كان نصيب الأسد في إعادة الإعمار بالنسبة لسوريا سيكون، منطقيا، لكل من روسيا والصين وإيران فإن مصر التي حافظت على علاقات جيدة مع العراقوسوريا واليمن وليبيا بدأت في حملة لفائدة شركاتها للحصول على صفقات دون التغاضي في هذا السياق عن دور فرنسا وبريطانيا وإيطاليا مثلا في إعادة الاعمار بليبيا. ولا شك أن الحرب الخفية الدائرة بين إيطالياوفرنسا بشأن ليبيا تكشف مدى حدة التنافس بين الجانبين لكسب صفقات في مجال إعادة البناء لكن ذلك لم يمنع السلطات المصرية من البحث عن موطئ قدم في ليبيا وهو ما يجعل حظوظ الجانب التونسي جد محدودة مستقبلا، بل يفترض أن تكون وزارة الخارجية، بعد التنسيق مع وزارات أخرى ومع اتحاد الأعراف، قد أعدت جملة من المشاريع لطرحها على الجانب الليبي ذلك أن المبادرات الفردية في هذه الحالة من خلال مجموعة من رجال الأعمال لا تفي بالغرض ويتطلب الأمر ثقلا ديبلوماسيا. وبالنظر إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمالي يبدو أنه لا مفر من بذل أقصى المجهودات في ربع الساعة الأخير للمشاركة في عملية إعادة إعمار ليبيا ولا بد من بذل مجهودات من قبل الجهات المعنية في هذا الاتجاه، فاستعدادات الفاعلين إقليميا على أشدها.