يجري على لسان أكثر من مردد ان من اوكد مهام الاعلام الاخبار والتثقيف والترفيه.. هكذا يخضعون الفعل الإعلامي لهذه القاعدة الثلاثية التي تتكامل لتؤدي دورها التوعوي على المستوى الجمعي!.. هكذا يقولون.. فما تراهم يفعلون على ارض الواقع وفضائه؟ يطول الحديث ويتطلب مساحات كبرى كي يأتي على تحليل حقيقة ما يحدث في ما يتعلق بالعناصر الثلاثة.. لذلك سأتوقف اليوم في محطة الثقافة التي يحاول البعض الركوب عليها من دون ان يحتكم على مفاتيح القيادة.. غيث المهرجانات احمد الله وادعو جماعة التلفزة ان يفعلوا مثلي ويقبلوا أيديهم وجها وقفا على هذا الغيث المدرار من المهرجانات الصيفية.. والحمد في مثل هذه المواقف مأتاه ومؤداه ما وفرته هذه المهرجانات من ارزاق لمنتجي البرامج التلفزية ومخرجيها ومقدميها دون استثناء. فقد ساهمت تلك المهرجانات في تناسل البرامج الخاصة بتقديم موادها في مختلف القنوات.. ولئن نثمن عودة بعض البرامج وإذ بأثواب جديدة أحيانا والتي تعنى بتغطية بعض المهرجانات فان تشابه تلك البرامج وإعادة محتويات بعضها من شأنه ان يحدث تشويها لا طائل من ورائه باعتباره حشوا زائدا ومحاولة لملء الفراغ على غرار ما يحدث في القناتين العموميتين الأولى والثانية. فعلى القناة الأولى واصل وديع بالرحومة ورضا معيرش ومن معهما تقديم «ويحلو السهر» في صيغة متكررة جامدة رغم قيمة المحتوى أحيانا وعلى غرار هذا البرنامج تقدم المدعوة «MAGDA» (لست اعرف سر هذه التسمية).. «ثقافة+..» على القناة 2 ولم نر من الإضافة التي يشير إليها العنوان إلا تلك العناوين الفرعية بالفرنسية (ZOOM… SPECTACLE الخ..) ! ان موضوعنا لا يتعلق بالمهرجانات ولكن ذلك كان مدخلا للخوض في مسألة ارقتني كما ارقت المتابعين للشأن الثقافي في وسائل اعلامنا الوطني. فالإعلام الثقافي او الثقافة في وسائل الاعلام من اهم المفاصل التي يجب البحث في ادق تفاصيلها وتشريح واقعها وتفريك رمانتها. وحتى لا يضيع القلم في المتاهات المفتوحة امامه اود الإشارة الى رغبتي في حصر الموضوع في حدود الاعلام المرئي أي انني سأهتم بصفة اخص بالمادة الثقافية التي تقدمها مختلف قنواتنا الوطنية بقطاعيها العام والخاص. وفي هذا المجال يمكنني استعارة ما حدث للإعلام الرياضي واسقاطه موضوعيا طبعا على وضع الاعلام الثقافي.. وقد انطلقت الازمة بأتم معناها عندما فتح الباب امام كل من هب ودب ليكتب في الرياضة باعتبارها مادة «شعبية» لا تتطلب علما او فلسفة وبذلك دخلت الصحافة الرياضية في نفق لم تخرج منه حد الساعة. هذا التمشي الثوري المقلوب ألقى بظلاله على الساحة الإعلامية الثقافية وسرت انفلونزا التهميش الى قلاع إعلامية يفترض ان تكون في الخطوط الامامية للدفاع عن الثقافة وروافدها. كيف حد ذلك؟ وما هي الأسباب؟.. الثقافة حمل ثقيل لا يقدر عليه الا من يحمل هما اكبر.. فالحديث في الثقافة غير متاح للذين لا يحتكمون على زاد معرفي وفكري يخولهم الغوص في تجاويفها والسباحة في اعماقها.. هذه القاعدة البسيطة فقدت قيمتها بفعل عدة اطراف وبدوافع مختلفة. فالملاحظ ان حبل الود انقطع بين السواد من الأجيال التي تربت على ثقافة المسلسلات ومنوعات الرديح والفحيح وكرة الرفس والعفس لذلك أصبح البحث عمن تتوفر فيه الشروط «الثقافية» اللازمة بمثابة البحث عن ابرة في كومة قش.. فكانت السانحة مواتية لأهل القرار بإدخال الفعل الثقافي التلفزي مخبر التجارب بتسليم الكاميرا والمصدح الى من لا علاقة لهم بالثقافة الا من خلال بعض الكليشيهات التي حفظوها ويرددونها دون فهم لمقاصدها ومعانيها لانهم غير قادرين على تجاوز العقبة مثل حمار ذلك الشيخ الذي يتحدث عنه مثلنا العربي! اشتعل اذن الضوء الأخضر امام تلك الفئة لتنشر ثقافة السخافة واللاثقافة وتؤسس لمدرسة جديدة في المتابعات الثقافية على وجه الخصوص. المهمة: صيد الهوامش تأملوا على سبيل المثال ما تقدمه قنواتنا المختلفة في مجال التغطيات لبعض التظاهرات في الموسيقى والمسرح خاصة.. فماذا يقدمون للمشاهد؟ تذمرات من الكواليس المغلقة.. أسئلة خارج الموضوع ولا علاقة لها حتى بثقافة امي سيسي او حلزون الفاهم.. استجداء تصريحات في اتجاه معين أي بأسئلة موجهة.. اختيار لقطات شاذة والتركيز عليها.. البحث عن الهوامش التي لا تهم المشاهد ولا تضيف شيئا الى العمل.. وما هذه الا لقطات قليلة من أفعال عليلة مما نتابعه في برامج تعنى حسب ادعائهم بالمتابعات الثقافية! قد يقبل ما ذكرنا لو يكون مشفوعا بما يشفي الغليل في كل ما يتعلق باللب أي بالمضمون ولكنهم يكتفون بذلك وهم يعتقدون انهم جلبوا اللبوة من اذنها.. لماذا يفعلون ذلك؟ الجواب واضح: لانهم اعجز من ان يذهبوا الى عمق الأشياء.. لانهم غير قادرين على محاورة مبدع في ميدانه بحكم محدودية ذخيرتهم المعرفية.. لذلك تراهم يعمدون الى استفزاز المبدعين ويحاولون جرجرتهم الى خارج ميادين لعبهم وعندما يحصل التصادم «يشيخون» ويدوخون فرحا لأنهم حققوا ما لا يقدر عليه سواهم! وبعد ذلك ننهال جميعنا ومن باب الدفاع عن «الزملاء» على المبدع الذي رد الفعل ولم يسقط في فخ الفراغ والهراء الذي أرادوا ايقاعه فيه. لقد استشرت هذه الموجة القاتلة والموضة العازلة بين قنواتنا بل أصبحت محل تسابق وتلاحق تحت غطاء البحث عن الطرافة وحصد النسب الأعلى للمشاهدة والمتابعة. ان البحث عن كل ذلك مشروع بل مطلوب لكن شرط لا نضيع «رأس الفتلة» أي الا ننسى الدور الأساسي لوسائل الاعلام وخاصة في كل ما يتعلق بالمادة الثقافية وألا نساهم في جريمة وأد الثقافة وتجذير اللاوعي الثقافي في المجتمع. فقد يحدث ان نلتقط موقفا طريفا أو نسجل نقيصة ما ولكن علينا استغلالها إيجابيا دون ان نهمل الأهم.. أي المضامين التي تخدم الافراد والمجموعات بقطع النظر عما يحيط بها من طفيليات وهامشيات. ان ما يحدث في بعض العروض وخلال الندوات الصحفية واللقاءات الثقافية يجعل المرء يتصبب عرقا ويتمنى لو تنشق الأرض لتبتلعه.. ويلعن دودة المهنة التي دفعت به الى تلك اللمات الفضيحة. لقد استمعت الى أسئلة تضحك الرضع وتربك اكبر أصحاب «الرقع» وتبكي اهل المهنة!.. انهم يشوهون صورة القطاع وصورة البلاد اليوم بجلهم السباحة في عالم غير عالمهم.. ومع ذلك تراهم يسجلون ويصورون والتقنيون يركبون والمخرج «شائخ» وهو يفرك يديه ويصلي على النبي.. صلى الله عليه وسلم!.. اني احتفظ بذكريات تشهد على ما يحدث في ساحة الإعلام الثقافي من تجاوزات وجهل بالواقع ولو ذكرناها او ذكرت البعض منها لما صدقني احد لان ما يجري يتجاوز الخيال فعلا.. ورغم ذلك فانك تراهم يسردكون في المحافل وكأنهم يحملون هموم الثقافة على اكتافهم ولكنهم في الواقع غير قادرين على ابداء رأي مجرد في ابسط قضية ثقافية.. هذه الصورة السوداوية لا تخفي طبعا بعض الالتماعات التي تزيح بعض الغم النازل على القلوب بفعل الطفيليين وبعض المتعاطفين مع الفعل الثقافي من باب زخرفة سجلاتهم الشخصية وهم لا يفرقون بين الابداع و»التبديع»! لقد رأيت في سنة خلت من يناقش «مهرجان الزرابي» الذي سبق احد العروض في «قرطاج» والمقصود صور العاملين وهم يفرشون الزرابي.. ليست هذه قضية ثقافية ذات ابعاد عالمية؟! المسألة مطروحة للنقاش! الى اين تسير قنواتنا التلفزية بالفعل الثقافي؟ وهل هي شاعرة بالمآزق التي تردت فيها بسبب اجتهادات خاطئة للباحثين عن الاثارة المجانية والخطبة الإعلامية؟ ان الثقافة رافد بالغ الأهمية للفعل التحديثي وتثبيت الهوية وتكريس الجهد الإبداعي لذلك لا يصح التعاطي معها بمثل تلك الطريقة السلبية الضارة بأهدافنا والضاربة لمقوماتنا. هذه مظاهر من ظاهرة واعتقد ان التصدي لها ممكن وميسر شرط ان يتوفر العزم الصادق والتمشي الحاذق. انا لا اعتقد ان تونسنا خالية من الكفاءات العالية في هذا المجال والقادرة على إعادة الاعتبار لتلك المادة التي أصبحت لعبة يتلهى بها صغار النفوس والذوق المعكوس. لذلك فان الاجتهاد مطلوب للبحث عن هؤلاء القادرين على التعامل مع الثقافة بثقافة ونظافة.. ابحثوا تجدوا.. ويكفينا من لعب المراهقين والماشين على حبال اللسان اللعين! ورغم ذلك وبكل ما فيه من سواد فان الساحة لا تخلو كما ذكرت من نقاط ضوء سأعود لها لاحقا من باب الانصاف لبعض المجتهدين الذين يصرون على المضي في فعلهم التنويري رغم التعتيم ومحاولات الضرب في الصميم! زقزقة: بكري قالت مطربة مخضرمة (ردا على سؤال حول جدديها): مازال بكري.. لست مستعجلة على الإنتاج الخاص.. ** قالت العصفورة: .. حتى صاحب العصفورة غير مستعجل.. فهو يفكر في الانضمام الى الفريق الوطني لكرة القدم في النصف الثاني من هذا القرن.. مازال بكري على العكري!..