تعيش تونس على وقع ازمة ثلاثية الأبعاد حيث الاقتصاد والمسألة الاجتماعية والشأن السياسي اهم محاورها، أزمة متفاقمة يقارنها بعض الخبراء باللحظات الاخيرة لحكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة حيث ارتبطت ازمة الحكم حينها بشيخوخة الزعيم وبسيطرة المحيطين به على أدوات إدارة الشأن العام، وهو ما دفع بالبعض الى القول ان ازمة الراهن أشد وقعا بالنظر إلى ملابسات الأزمة وتعقيداتها خلال العشرية الاخيرة من سنوات الثمانيات. وقد دفعت ازمة البلاد بالعديد من السياسيين الى تبني خيار الإنقاذ في مرحلة اولى منها المرور الى الإصلاح مع ضرورة تفكيك كل عناصر الازمة وحصر اسبابها بداية من تخبط اداء رئاسة الجمهورية الى الارتباك الحاصل في مؤسسة رئاسة الجمهورية وصولا الى التشتت الواضح في برلمان، وهو من وجهة نظر البعض انه لا مدخل للانقاذ والإصلاح الا بتغيير النظام السياسي بما هو مدخل الى اللاستقرار. واذ اختلفت الأراء في توصيف الازمة وعملت أطراف على تحميل المسؤولية الى أطراف اخرى دون تقديم بدائل حقيقية وعملية للتجاوز، فان الجميع متفق هنا على وجود ازمة وبضرورة الإنقاذ، ولئن تعددت دعوات الإنقاذ فإنها لن تجد طريقها الى التطبيق والنفاذ الى مكاتب الاحزاب بعد ان تلونت جل المبادرات بعدم الثقة وهو ما جعلها تخطئ الطريق حتى ولو كانت تلك المبادرات صادقة. بحث سبل الانقاذ وفِي هذا الاطار يعمل المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية على التحضير لندوة كبرى للبحث عن سبل الإنقاذ وذلك يوم 28 أوت الجاري تحت عنوان "انقاذ تونس في 6 اشهر" ليتراجع بعدها ويغير عنوان الندوة ل"اَي برنامج لانقاذ تونس". وفِي واقع الامر فقد بدا العنوان الثاني اكثر واقعية من الاول لطرحه سؤالا محوريا حول طرق الخروج من الازمة وآليات معالجتها، في حين جاء عنوان الندوة في صيغته الاولى غريبا وغير عقلاني فوضع سقف زمني ب6اشهر لمعالجة الوضع العام بالبلاد يبدو عمليا غير واقعي. فاَي سحر ذلك الذي سيستعمله المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية للخروج بواقع الازمة الوطنية في بلادنا؟ سؤال قد يجد ما يبرره سيما وان المعهد يستعد للإعلان عن مخرج للوضع الراهن خلال ستة أشهر فقط لاغير، مدة لا تقبل المنافسة بل تكاد تكون في المحصلة رقما جديدا في كتاب قينس للأرقام القياسية، فبعد ان عجزت الحكومات المتعاقبة على الخروج بالبلاد من ازمتها يستعد المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية لطرح نظرية سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة. صيغة السؤال هي في الواقع شبيهة بذلك السؤال الذي كثيرا ما اعترضنا على مواقع التواصل الاجتماعي "كيف تصبح ميليارديرا في 100يوم" او ذلك السؤال الهزلي الاخر " كيف تتعلم صيد الحمام في 5 ايّام؟" وكلها عناوين يتجاهلها العاقل لإدراكه المسبق ان الحلول "السحرية" تبدو غير قابلة للانجاز على أرض الواقع نظرا لصعوبة الوضع. ورغم اهمية فعل الإنقاذ الا انه كثيرا ما فقد معناه وذلك بسبب التوظيف أحيانا في الترويج له، حيث لم تخل دعوة الإنقاذ من الاستغلال السياسي للإطاحة بهذه الجهة او تلك، فدعوة المعهد الْيَوْمَ قد يدرجها البعض في هذا السياق وذلك لعدة أسباب أولها ان مدير المعهد ناجي جلول من دعاة إسقاط حكومة الشاهد وما انتمائه الى مجموعة المدير التنفيذي حافظ قائد السبسي وهو ما يقلل من جدية المخرجات التي قد تنتجها ندوة 28 أوت. مواقف سابقة لجلول واذا ما افترضنا جدلا حسن نية المعهد في إيجاد حل للازمة والمساهمة في الإنقاذ لماذا لا يتم اعتماد مخرجات اجتماع الموقعين على وثيقة قرطاج واساسا النقاط ال 63 الواردة بمسودة الوثيقة والتي تحظى باجماع واسع لرؤساء الاحزاب والمنظمات المشاركة في الاجتماع الاخير بقصر قرطاج؟. بالاضافة الى ذلك فان تقديم سقف زمني ب6 أشهر لإنهاء الازمة حسب ما أكده المعهد في حملته الإشهارية على موقعه الرسمي يدفعنا للتساؤل هل ان ما سيقدمه المعهد هو مخرجات لازمة ام برنامج لحكومة محتملة سيما وان مدير المعهد ناجي جلول قد كشف في حوار سابق بأنه سيتم خلال الأيام القادمة، الإعلان عن مبادرة سياسية جديدة لإخراج البلاد من أزمتها السياسية الرّاهنة. وأوضح ناجي جلول في تصريح إعلامي أنّ المبادرة المزمع الإعلان عنها ليس لها أي علاقة بالأحزاب السياسية. وبيّن أن المبادرة تتضمن محاور وبنودا موجهة لجميع القوى، لافتا إلى أنها ستكون عبارة عن جبهة وطنية تنص على ملامح وتصور لتركيبة الحكومة القادمة التي سيكون عدد الوزراء فيها أقل بكثير من العدد الحالي، وفق قوله وحول رئاسة هذه التركيبة الحكومية المصغرة، قال ناجي جلول إنه سيتم توضيح ذلك عند الانتهاء من صياغة المبادرة. وفي رده على ما تقدم نفى مدير المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية ناجي جلول ما تقدم وقال في تصريح ل"الصباح:،"لا دخل للمعهد بتغيير الحكومة او غيرها ذلك انه دور مسنود للاحزاب بصفة عامة، فندوة 28 أوت هي في الواقع مدخل ودعوة للاصلاح على قاعدة وطنية صرفة قوامها التاكيد على ان التغيير ممكن". واضاف جلول ان مخرجات لقاء 28 اوت ستحمل في طياتها رسالة امل لكل التونسيين وهي مدخل للحكومة للاخذ بها خاصة وان الشخصيات المحاضرة من الحجم الثقيل على غرار عبد الجليل البدوي،جلول عياد، حكيم بن حمودة،رشيد صفر،عبدالرزاق بوزويري بالاضافة الى محمود بن رمضان حيث ان الفكرة الاساسية للندوة هي الاجراءات العاجلة الممكن تطبيقها خلال الستة أشهر القادمة حتى نتجاوز الوضع الكارثي للاقتصاد الوطني. خليل الحناشي