تواصل «الصباح» نشر الجزء الثاني من الرأي القانوني الذي حرره الأستاذ السيد بن حسين المحامي والباحث في القانون حول»جريمتي المسك بنية الاستهلاك واستهلاك لمادة مخدرة في ظل القانون الجديد» «...ويفهم من هذا الفصل، أن كل شخص يتحوّز أو يمسك مادة مخدرة مهما كان نوعها شريطة أن تكون مدرجة بالجدول (ب) مثل القنب الهندي وتعرف بالزطلة أو الاكستازي آو الكوكايين أو الهيروين أو التكروري والماريجوانا ويقصد بالمسك، التحوّز الفعلي بقصد التملّك أوالحيازة والسيطرة على الشيء المتحوز عليه، كأن يضع القطعة المخدّرة أو القرص المخدّر داخل سيارته أو منزله أو بجيب سرواله أو بضيعته أو بأي مكان راجع له بالملكية أو في تصرّفه أو حتى بعلبة سجائره المحشوة بالمخدرات، يكون بذلك عرضة لعقوبة سجنية وأخرى مالية. أي أن مسك المخدرات هي جريمة مستقلة بذاتها ولها عقوبة زجرية خاصة بها، حتى وإن أثبتت التحاليل المخبرية على السوائل البولية أن المتّهم غير مستهلك لأي مادة ممنوعة. وتختلف الوضعية القانونية من حالة إلى أخرى إذ يجب التمييز بين المسك بنية الاستهلاك و المسك بنية الترويج أو الاتجار أو المسك بنية الإحالة وهي»حالة إعطاء قطعة مخدّرة بدون مقابل»، رغم أنّ المشرع التونسي لم يميّز بين حالات المسك من حيث العقاب نظرا لأنه اعتبر أن المسك لمادة مخدرة في جميع الحالات تستوجب نفس العقاب. وتطرق الفصل الرابع أيضا إلى جريمة الاستهلاك لمادة مخدرة مدرجة في الجدول ب في غير الأحوال المسموح بها قانونا ويفهم من هذا الفصل أيضا بان كل متهم ثبت من خلال الاختبار الطبي انه مستهلك لمادة مخدرة يكون قد ارتكب جريمة ثانية مستقلة بدورها وهي جريمة الاستهلاك و يكون بذلك عرضة لعقوبة سجنية لا تقل عن عام سجن و خطية مالية لا تقل عن ألف دينار والمحاولة موجبة للعقاب كما إن امتناع المتهم من إعطاء عينة من سائله البولي أو جاءت نتيجة تحليله تحتوي على كمية هائلة من الماء بقصد المغالطة، تعتبر في الحالتين قرينة على ارتكابه لجريمة الاستهلاك. وتعتبر جريمة الاستهلاك لمادة مخدرة من الجرائم الفنية بامتياز إذ يشترط القانون صراحة إجراء اختبار فني على المادة المخدّرة المحجوزة وأيضا على عينة من السائل البولي للمتهم وفي صورة عدم احترام هذا الإجراء تعتبر الجريمة مختلّة وفاقدة لأهم ركن من أركانها القانونية. وما تجدر إليه الإشارة في هذا السياق أيضا أن المواد المخدرة المدرجة بالجدول (ب) دون سواه هي التي يعاقب عليها القانون أي المواد المدرجة بالجدول (أ) أو الجدول (ج) لا يعاقب على مسكها أو استهلاكها لكن القانون يعاقب على بيعها بمقابل للغير. وكل متهم قبل إجرائه للتحليل المخبري يعتبر مشتبها به في الاستهلاك. ويكون بذلك الفصل الرابع من القانون المذكور قد تعرض إلى جريمتين مستقلتين وهما المسك بنية الاستهلاك والاستهلاك، ويكون المتهم بذلك عرضة لعقوبتين أي عقوبة لا تقل عن عام سجن من اجل جريمة المسك وعقوبة ثانية لا تقل عن عام سجن أيضا من اجل جريمة الاستهلاك، فضلا عن ذلك يكون عرضة لعقوبة الخطية المالية التي لا يمكن أن تقل على ألف دينار عن كل جريمة. لكن ومن الناحية العملية ونظرا لغلق باب الاجتهاد أمام المحاكم التونسية فان لسان الدفاع يلتجأ عادة إلى طلب تفعيل أحكام الفصلين 54 آو 55 من المجلة الجزائية، ويتمسّك على اعتبار أن الجريمتين «المسك والاستهلاك» مندمجتين ويصدر بذلك حكما يقضي بسجن الماسك والمستهلك لمادة مخدّرة بعام واحد سجن وخطية بألف دينار عوضا عن عامين سجن وألفي دينار كخطية مالية، وهي العقوبة الأدنى المنصوص عليها بالفصل الرابع من القانون المذكور، وقد تبنت كل الدوائر الجناحية تقريبا بالمحاكم التونسية هذا التمشي وتفاعلت مع الفصلين المذكورين واكتفت في اغلب أحكامها بالعقوبة الأدنى وهي عام سجن وألف دينار خطية معتبرة أن الجريمتين مندمجتين. لقد ثبت من الناحية الواقعية ومما لا يدع مجالا للشك، أن القانون المشار إليه سابقا لم يجدي نفعا ولم يتمكن من تحقيق النتيجة المرجوّة، بل بالعكس من ذلك فقد ثبت من خلال التجربة أن عدد الموقوفين والقابعين وراء القضبان جراء ارتكابهم لجريمتي المسك والاستهلاك للمادة المخدرة تزايد من سنة لأخرى كما أن الطابع الزجري والعقوبة السجنية لم تحقق لا الردع ولا الإصلاح. كما ثبت أيضا أن الكثير من مرتكبي جريمتي المسك بنية الاستهلاك و الاستهلاك للمواد المخدرة والذين قضوا عقوبات سجنية مطولة قد تعرضوا لصعوبات كبيرة جدا فمنهم من فقد دراسته ومنهم من فقد وظيفته ومنهم من عجز عن إيجاد عمل نظرا لتشويه سجله العدلي، ومنهم من لم يجد حلا إلا الرجوع لاستهلاك المخدرات وبالتالي العودة للسجن». (يتبع)