يتحول الجدل الذي أثاره تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة التي ترأسها بشرى بلحاج حميدة قريبا الى قبة البرلمان، وذلك بعد أن تبنى عدد من النواب مشروع القانون الأساسي المتعلق بمجلة الحقوق والحريات الفردية الوارد في هذا التقرير وقدموه رسميا الى مكتب الضبط في شكل مبادرة تشريعية. وينتظر ان يتولى مكتب مجلس نواب الشعب احالة هذه المبادرة على أنظار لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية التي أسندت رئاستها خلال الدورة البرلمانية الحالية الى كتلة النهضة.. وبتبنيهم مشروع المجلة تجاوز النواب حالة التردد التي أبداها رئيس الجمهورية يوم 13 أوت الماضي في علاقة بقسم الحريات الفردية الوارد في تقرير اللجنة وذلك عكس تحمسه للقسم المتعلق بالمساواة وخاصة المساواة في الارث.. تردد لم ينل يومها استحسان طيف من الحقوقيين والناشطين في المجتمع المدني الذين يعتبرون ان الحريات الفردية هي أساس كل الحريات، والذين انتظروا من الرئيس أن يعلن رسميا في خطابه بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني للمرأة وبالذكرى الثانية والستين لسن مجلة الاحوال الشخصية عن تبنيه دون تحفظ كافة مضامين تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة بما فيها خياراتها حول الغاء عقوبة الاعدام والغاء تجريم المثلية الجنسية. وتضمن مشروع المجلة الوارد في 38 صفحة عنوانا أول احتوى على الأحكام العامة ووضع الأسس القانونية والمفهومية للحقوق والحريات الفردية، وهو يهدف إلى ضمان عدم التمييز بين المواطنين والمواطنات، وبين جميع المواطنين والأجانب، في التمتع بالحقوق الفردية ويأتي هذا التنصيص لوضع حد لبعض الممارسات التمييزية المتفشية في المجتمع والتي تعتمد على اللون أو الجنس أو النسب أو التوجه الجنسي أو غير ذلك من الأسباب التي تدخل في خصوصية الفرد والتي لا تمثل تهديدا للمجتمع وللدولة. كما حدد العنوان الأول أهم ما يمكن أن يحكم الحقوق والحريات الفردية على اختلافها، كعدم إمكانية التراجع عنها وعدم السماح بالحط منها خارج ما نص عليه الدستور. أما العنوان الثاني من مشروع المجلة فأقر بالحقوق والحريات الفردية التي نص عليها الدستور والمعاهدات التي صادقت عليها تونس، من قبيل الحق في الحياة والحق في الكرامة والحق في الحرمة الجسدية والحق في الأمان والحرية وحرية الفكر والمعتقد والضمير وحرية الرأي والتعبير والحق في الحياة الخاصة والحق في حماية المعطيات الشخصية والحق في حرمة المسكن والحق في سرية المراسلات والاتصالات وحرية التنقل والإقامة وحرية الفنون والحريات الأكاديمية. أما العنوان الثالث من مشروع المجلة فنص على آليات حماية الحقوق الفردية وذكر القضاة بالقواعد المرجعية التي يجب عليهم العودة اليها عند النظر في النزاعات المتعلقة بالحريات الفردية، كما حدد هذا العنوان بعض القواعد الضامنة لحسن تأويل النص القانوني، ونص على تبسيط إجراءات التعويض في حالة وجود ضرر ناتج عن المس من حرية الفرد وحقوقه. اما الباب الأخير فتضمن أحكاما مختلفة وهي تقتضي ادخال بعض التعديلات على قوانين سارية المفعول سواء في مجلة المرافعات المدنية والتجارية أو المجلة الجزائية أو مجلة الإجراءات الجزائية أو مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية. وإضافة الى ذلك ضبط العنوان الأخير العقوبات المستوجبة في حالة الاعتداء على الحقوق والحريات الفردية المذكورة في مشروع المجلة. استيفاء الشروط بالاطلاع على الوثيقة المودعة بمجلس نواب الشعب يمكن الاشارة الى ان المبادرة التشريعية مستوفية للشروط القانونية، لأن عدد النواب الموقعين عليها يتجاوز العدد القانوني المطلوب، ونجد في صدارة قائمة الموقعين على المبادرة النائبة عن كتلة الائتلاف الوطني ليلى الحمروني التي تعد من أبرز النواب المناهضين لعقوبة الاعدام والمساندين للائتلاف التونسي لإلغاء عقوبة الاعدام، وهو ما يفسر أن اختيار توقيت ايداع المبادرة التشريعية لم يكن اعتباطيا اذ أنه تزامن مع احياء اليوم العالمي لإلغاء عقوبة الاعدام الموافق ليوم 10 أكتوبر من كل سنة. وبالإضافة الى النائبة ليلى الحمروني وقع على المبادرة التشريعية عدد آخر من النواب من بينهم ناجية بن عبد الحفيظ وصبرين قوبنطيني ولمياء الدريدي ومروان فلفال وليلى اولاد علي وزهرة ادريس عن كتلة الائتلاف الوطني، وفتحي الشامخي وعمار عمروسية ونزار عمامي عن كتلة الجبهة الشعبية، وريم محجوب ورياض جعيدان عن كتلة الولاء للوطن، ومريم بوجبل عن كتلة الحرة لحركة مشروع تونس، ومنذر بلحاج علي النائب غير المنتمي الى كتل وغيرهم. وجاء في وثيقة شرح أسباب مقترح مشروع القانون أساسي المتعلق بمجلة الحقوق والحريات الفردية ان الثورة التونسية قامت على خلفية المطالبة بالحرية والكرامة والمساواة، وهذه العبارات تتجاوز مرتبة الشعارات لترتقي الى مرتبة مبادئ كونية لأنها لصيقة بإنسانية الإنسان. وفسرت وثيقة شرح الأسباب انه لا يمكن الحديث عن دستور يشكل أعلى هرم القواعد القانونية دون الحديث عن ضمان تنقية المنظومة القانونية من النصوص المخالفة للدستور، فتوطئته نصت على القيم الإنسانية وعلى مبادئ حقوق الإنسان الكونية السامية. وبينت وثيقة شرح الأسباب أن الإيمان بحرية الفرد وبخصوصيته وتفرده هو ما مكّن من بناء منظومة حقوق الإنسان، وشددت على أن المنظومة الكونية لحقوق الإنسان هي منظومة متكاملة، مترابطة وغير قابلة للتجزئة لأنها منظومة تعكس كل أبعاد الإنسان ولا تفضيل فيها للحقوق المدنية على الحقوق الاقتصادية ولا تفضيل للحريات العامة على الحريات الفردية، وفسرت الوثيقة أن الفاعلين السياسيين والمجتمع المدني في تونس اهتموا بالحريات العامة نظرا إلى ارتباطها المباشر بالشأن السياسي، وفي المقابل بقيت الحقوق والحريات الفردية محل اعتداءات متكررة، سواء كانت متأتية من الدولة أو من الأفراد أو المجموعات. وفي دفاعها عن الحريات الفردية استندت وثيقة شرح الأسباب على احكام الدستور التي أقرت بان الدولة تضمن «للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامّة، وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم». وجاء هذا الفصل 21 معبرا عن فلسفة الباب المتعلق بالحقوق والحريات، وبينت الوثيقة ان احترام الدستور والاتفاقيات التي وقعت عليها تونس سيتوجب من الدولة سن التشريعات المناسبة لتكريس الحريات الفردية والتخلي عن التشريعات التي تخالف هذه الحريات. وجاء في نفس الوثيقة ان المنظومة التشريعية الحالية أصبحت بالية ولا تستجيب لتطلعات التونسيين والتونسيات إلى الحرية وإلى وضح حد لوصاية المجموعة على الفرد اذ انها تزخر بالمقتضيات وبالعبارات التي تجاوزها الزمن وفقدت بالتالي دورها. كما ان السلم المجتمعي يفترض مجتمعا متنوعا ومتعددا ولا يمكن لهذا المجتمع أن يكون كذلك ما لم يكن للفرد فيه مجال خاص به وفضاء فكري ومادي يسمح له بالتعبير عن خصوصيته تجاه المجموعة مهما كان نوعها. وأوضحت وثيقة شرح الاسباب أن مشروع القانون اتخذ شكل مجلة وذلك حتى يقع تجميع كل الأحكام المتعلقة بهذا الصنف ضمن نص واحد وهو ما من شأنه أن يسهل مقروئيته وييسر تطبيقه.