لا تكون القرارات العاجلة التي يتخذها الطبيب على حسب الحالة التي يتعامل معها أمرا يمكن أن يتدخل فيه المريض بل يكون تبعا لضوابط علمية مهنية في جل الحالات. ولكن تبدو الولادة في خضم كل ذلك قصة أخرى فكثيرات هن من بتن «يخترن» الولادة القيصرية ولا تفرضها عليهن حالتهن الصحية. وهو ما يؤدي إلى زيادة ملحوظة في حجم الولادات القيصرية لا في تونس فقط بل في جل بلدان العالم. فقد ارتفع عدد عمليات الولادة القيصرية من 16 مليون حالة أي ما يعادل 12 في المائة من حالات الولادة في العالم حسب معطيات سنة 2000 إلى 29.7 مليونا (21 في المائة) في عام 2015 بحسب دراسة نشرتها دورية «لانسيت» الطبية مؤخرا. وبذلك يكون حجم العمليات القيصرية قد تضاعف في مقارنة بين سنة 2000 وسنة 2015. وبحسب معطيات الدراسة في عام 2015 فان 44.3 % من المواليد الأحياء في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي ولدوا بعمليات قيصرية، بزيادة من 32.3 % في عام 2000 ، تليها 32 % في أمريكا الشمالية، بزيادة من 24.3 %. في حين يشير معدو هذه الدراسة إلى أن الحالات التي تستوجب العملية القيصرية تتراوح ما بين 10 و15% ويعني ذلك أن هنالك مبالغة في إجراء العمليات القيصرية بحسب الباحثين. ويبدو الاتجاه المتزايد نحو إجراء العمليات القيصرية بحسب هذه الدراسة أو في جزء منه على الأقل لدى النساء ذوات الدخل المرتفع اللواتي يقطن في المناطق الحضرية، واللواتي يخشين آلام المخاض، أو المشاكل الجنسية بعد الولادة أو السلس المتعلق بالولادة المهبلية، كما يكتب المؤلفون. كما تعتقد العديد من النساء أن العمليات القيصرية أكثر أمانا من الولادات التقليدية، كما تشير الدراسة. وكما أشرنا فإن ارتفاع حجم هذه العمليات ليس مسألة تخص دولا بعينها بل تحولت إلى ظاهرة عالمية وقد شهدت تونس أيضا نصيبها من ارتفاع عدد العمليات القيصرية لأسباب صحية وأخرى تتعلق بتخوف الأطباء من الشكايات والملاحقات القانونية مما يدفعهم إلى التوجه إلى إجراء العملية القيصرية في حالة وجود أي سبب بسيط يمكن أن يرفع من مخاطر الولادة الطبيعية. رئيس قسم النساء والتوليد في مستشفى شارل نيكول ل«الصباح الأسبوعي»: 38 % حجم العمليات القيصرية في سنة 2017.. في المستشفيات العمومية التونسية، يقدر حجم العمليات القيصرية بما بين 30 و35 بالمائة مقارنة بحجم الولادات ككل وهو يتخذ نسقا تصاعديا منذ مدة بحسب المعطيات التي قدمها لنا الأستاذ بكلية الطب بتونس ورئيس قسم النساء والتوليد في مستشفى شارل نيكول الدكتور بدر الدين بوقرة والذي استقبلنا في مكتبه بالمستشفى. مع العلم أن أكثر من 80 % من الولادات في تونس تحدث في المستشفيات العمومية. ويشير محدثنا إلى أن عدد العمليات القيصرية في تصاعد وذلك خاصة خلال العشرين سنة الأخيرة. فقد كان حجم العمليات تقريبا في حدود 10 إلى 15 %. ويبرز محدثنا أنه بالنسبة إلى منظمة الصحة العالمية المعدل المقبول هو أن يكون حجم العمليات القيصرية في حدود 20% ولكن المعدل يتجاوز ذلك في غالبية دول العالم. وهنالك بلدان يتضاعف فيها هذا الحجم حتى أربع مرات كما حددته منظمة الصحة، بحسب الدكتور بوغرة. 40 % حجم العمليات القيصرية في شارل نيكول سنة 2014 في قسم النساء والتوليد بشارل نيكول يقدم لنا رئيس القسم تطور حجم العمليات القيصرية من سنة 2008 إلى سنة 2017. في سنة 2008 كان حجم العمليات القيصرية في القسم 31.5% في 2017 أصبح 38%. وبعض السنوات كانت النسبة حتى أكثر مما هي عليه في 2017، إذ وصلت في القسم سنة 2014 إلى 40 %. ويشهد القسم 4500 ولادة سنوية. وهنالك زيادة كل عام في حجم العمليات القيصرية. ويبرز محدثنا أن المتعارف عليه أن حجم العمليات القيصرية في القطاع الخاص يصل إلى حدود 50 و60 % بشكل تقريبي كما يقدر محدثنا. عوامل متعددة وبخصوص ما إذا كان الأمر يتعلق بتزايد عدد الحالات التي تستوجب الاتجاه نحو إجراء العمليات القيصرية أو أن الأمر مرتبط بطلب المرضى أنفسهم، يبرز محدثنا أن هنالك ثلاثة أسباب رئيسية تفسر تزايد حجم العمليات القيصرية ومن أهم هذه الأسباب تأخر سن الزواج وهذا يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض مثل السكري وضغط الدم وزيادة مخاطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالحمل. السبب الثاني هو السمنة عند النساء وارتباطه بمخاطر الإصابة بهذه الأمراض وصعوبة الولادة بطريقة طبيعية وهنالك أيضا العامل الطبي-القانوني فلم يعد هنالك تقبل لأي مخاطرة في الولادة لدى المرضى وأهاليهم مما يضطر الطبيب إلى التفكير في إجراء الجراحة القيصرية مع الأخذ بعين الاعتبار أن للعملية القيصرية مخاطرها أيضا ولكن هنالك هذه المخاوف من الشكايات. وقد تزايدت هذه الشكايات بالخصوص بعد الثورة. خاصة أن الطبيب يحاسب على أساس القتل غير العمد أو حتى القتل العمد في بعض الحالات لأنه ليس هنالك قانون خاص بالمهنة. ..بحثا عن الراحة إلى جانب ذلك هنالك مسألة إجراء العملية القيصرية بطلب من المريضة بحثا عن راحتها césarienne de convenance وطبيا هو أمر غير معقول كما يقول محدثنا لأن للعملية القيصرية تعقيداتها ومخاطرها أيضا وإذا لم يكن هنالك ما يبرر فعليا الاتجاه لإجراء العملية القيصرية ذلك يمكن أن يضع الطبيب في محل مساءلة، كما يبرز محدثنا. الولادة باستخدام حقنة «الإيبيدورال» أما عن الولادة باستخدام حقنة ‘الإيبيدورال» فإن محدثنا يؤكد أنه قد تزايد اعتمادها ولكن تبقى قليلة في المستشفيات العمومية وليس الأمر مرتبطا هنا بتوفر الأدوية في حد ذاتها بل في توفير طبيب تخدير. ففي مستشفى شارل نيكول على سبيل المثال يتوفر طبيبي تخدير للمستشفى بأكمله. في حين أنه في المصحات الخاصة يصل استخدام هذا المخدر إلى 80% من الولادات الطبيعية. للقيصرية مخاطرها ويشير رئيس قسم النساء والتوليد في مستشفى شارل نيكول إلى أن الولادة الطبيعية تبقى دائما أفضل من الولادة القيصرية التي يجب اللجوء إليها فقط عندما تتطلب الحالة ذلك، فهنالك مخاطر مرتبطة بها مثل المشيمة الملتصقة Placenta accreta وقد تزايدت الإصابة به ووصل معدله اليوم إلى 1 من أصل 500 امرأة يصبن به وهو ما يعد معدلا مرتفعا. يمكن أن يكون هنالك خطر لانفتاح الجرح في حمل موال. وعلى اعتبار أنه بعد ولادتين بعملية قيصرية تكون الولادة الثالثة قيصرية بالضرورة، يشير محدثنا إلى أنه من المتعارف عليه في الأوساط الطبية أنه لتجنب تزايد حجم العمليات القيصرية يجب تجنبها في الولادة الأولى. وذلك لأنه إذا تمت الولادة الأولى قيصرية فإن نحو 70% من الولادات الموالية تكون قيصرية، وهذا بطبيعة الحال ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات العمليات القيصرية. أهداف ربحية؟ وردا على سؤالنا حول اتجاه الأطباء خاصة في القطاع الخاص إلى إجراء العمليات القيصرية التي تتطلب وقتا أقل من الولادة الطبيعية وتوفر بالتالي عائدا أكبر للطبيب، بداية يشير محدثنا إلى أن حجم العمليات القيصرية في القطاع الخاص هو بطبيعة الحال يتجاوز حجمها في القطاع العمومي. وأكثر هذه العمليات غير مرتبطة بعوامل تتعلق بصحة الأم والطفل، وإنما بالعوامل الطبية القانونية وذلك للتخوف من أية تتبعات قانونية، لأن الأمر يختلف عن المستشفيات حيث تتحمل أطراف متعددة المسؤولية، في حين أنه في القطاع الخاص الطبيب هو المسؤول الأول. وهذا يساهم في ارتفاع حجم العمليات القيصرية مقارنة بالقطاع العمومي. وعن التشكيات المرتبطة بالولادة يبرز محدثنا أن هنالك حدا معقولا من المضاعفات يجب قبوله، وهي ليست ظاهرة في تونس فقط بل في العالم، إذ أصبح هنالك نفور في الاشتغال في هذا الاختصاص خوفا من التشكيات. هذا إلى جانب أن معدلات الإنجاب قلت، لذلك فإنهم يرغبون في أن يصل ابنهم سالما معافى دون أية مضاعفات مهما كانت بسيطة لا على الأم ولا على الطفل.