استحدث رئيس الحكومة يوسف الشاهد خطة جديدة في تركيبة الحكومة وردت في مقترح التحوير الوزاري المعروض حاليا على مجلس النواب، وهي خطة وزير لدى رئيس الحكومة مكلف بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني وتمت تسمية شكري بن حسن والي القيروان السابق ليشغلها. كان من المتوقع أن يتم إحداث وزارة كاملة تشرف على متابعة تركيز ملف الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بتونس وتنظيمه، وفقا لما ورد بالنسخة الأولية لمشروع القانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني التي عرضت على الاستشارة الموسعة خلال شهر جوان 2018، وتحديدا في الفصل 17 منه الذي ينص على «تقوم الوزارة المكلفة بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالإشراف على القطاع ويعهد لها وضع السياسات والاستراتيجيات والبرامج الهادفة للنهوض به بالإضافة الى مهمة الرصد». إلا أن الأمر استقر لدى رئيس الحكومة في الاكتفاء مبدئيا بتسمية عضو بالحكومة برتبة وزير لدى رئيس الحكومة مكلف بهذا الملف الذي ما يزال في طور المشروع، ورغم ذلك يعتبر المقترح خطوة ولبنة إضافية جديدة متوقعة ومنتظرة في سبيل استكمال تجسيم مشروع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في تونس خلال الأشهر القليلة المقبلة تشريعيا وإداريا وترتيبيا وأيضا من ناحية التمويل على وجه الخصوص.. وعلى هذا الأساس ينتظر أن يتم قريبا وبعد مصادقة مجلس النواب على أعضاء الحكومة الجدد، إحالة مشروع القانون المذكور على أنظار مجلس الوزراء للمصادقة عليه وإحالته على البرلمان، والمفترض أن يتم إعطاء مشروع القانون الأساسي أولوية النظر لتسريع عملية النقاش والمصادقة. يذكر أن مشروع القانون الأساسي يعتبر جاهزا بعد استكمال كافة مراحل الإعداد والاستشارة والتعديل، علما أن صياغته تمت بشراكة بين الحكومة وكل من الاتحاد العام التونسي للشغل الذي قدم مبادرة تشريعية في الغرض منذ سنة 2015 تم اعتمادها لاحقا في أشغال لجنة القيادة الوطنية المكلفة بمتابعة تنفيذ مشروع تطوير آليات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، إضافة إلى الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة وعدد من هياكل المجتمع المدني، وفقا لما أعلنته سابقا وزارة التشغيل والتكوين المهني. ويشتمل مشروع القانون على 22 فصلا، يتضمن الفصل الأول منه أهداف الإطار التشريعي المتعلّق بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وخاصة في ما يتعلق بالعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة وإحداث مواطن الشغل وإحداث حركية محلية لتحقيق التوازن بين الجهات وهيكلة الأنشطة غير المؤطرة ودفع المبادرة الجماعية وتحقيق الرفاه الاجتماعي والاقتصادي للمواطن لتحسين جودة الحياة. ويعرف مشروع القانون في فصله الثاني الاقتصاد الاجتماعي والتضامني على أنه مجموعة الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والتكنولوجية ذات الغايات الاجتماعية المتعلقة بإنتاج وتحويل وتوزيع وتسويق السلع والخدمات التي تؤمنها الذوات المعنوية الخاضعة للقانون الخاص استجابة للحاجيات المشتركة والمصالح المجتمعية والتي لا يتمثل هدفها الأساسي في تقاسم الأرباح. ومن شأن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني أن يساهم في خلق فرص تشغيل وضمان العمل اللائق إلى جانب خلق ديناميكية محلية بما يمكن من تقريب الخدمات. وسيتوجه إلى قطاعات النهوض بأنشطة الصيد البحري والفلاحة وكذلك الحرف، بما يستوجب تركيز شركات تعاونية وتعاضديات في هذه المجالات للنهوض بمستوى إدماج الشرائح الأقل حظا في المناطق الداخلية والأرياف. ومن المتوقع أن يضطلع البنك التونسي للتضامن بمهمة تمويل الاقتصاد الاجتماعي. ويعتبر مسار إعداد مشروع القانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني من بين المسارات التي أخذت حيزا زمنيا طويلا دام لسنوات (بداية التفكير في منظومة قانونية تتعلق بالاقتصاد التضامني انطلقت منذ سنة 2013 ودافع عنها وتحمس لها وتبناها خاصة الاتحاد العام التونسي للشغل). ورغم تبنيه رسميا من عدة حكومات متعاقبة بعد الثورة وخاصة الحكومات المنبثقة عن انتخابات 2014، إلا أن التريث والبطء وربما التردد كان السمة الغالبة على مسار الإعداد القانوني والتشاور في آليات الاقتصاد التضامني ومنظومة تمويله وتنظيم هياكله.. ويهدف مشروع القانون إلى تحديد مفهوم واضح له وضبط مبادئه وأهدافه التي ترتكز أساسا على قيم العمل التشاركي والتسيير الديمقراطي واستقلالية التصرف وتنمية روح المبادرة التضامنية إضافة إلى تغليب المصلحة النفعية والاجتماعية على الربحية. سبيل للتنمية المستدامة يعرّف مشروع القانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بأنه «سبيل للتنمية المستدامة والمدمجة، الملائمة لكل مجالات الأنشطة الإنسانية، قوامه الحرية والكرامة والعدالة والتضامن، يشمل الذوات المعنوية التي تمارس أنشطة اقتصادية واجتماعية تستجيب لحاجيات ومصالح مشتركة ومجتمعية دون أن تكون غايتها الأساسية توزيع الأرباح». ويقوم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني على مبادئ أولوية الإنسان وقيمة العمل على رأس المال، والمصلحة المشتركة على المصلحة الفردية، الحوكمة الرشيدة، التسيير الديمقراطي باعتماد قاعدة صوت واحد للشخص الواحد، التداول على التسيير، إعادة استثمار الجزء الأكبر من الأرباح الصافية، عدم قابلية الاحتياطات الوجوبية للقسمة أو التوزيع. مكونات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني تتوزع مكونات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وفقا لمشروع القانون إلى صنفين، صنف يتكون وجوبا بحكم طبيعة نشاطها من التعاونيات وشركات التأمين ذات الصبغة التعاونية والشركات التعاونية للخدمات الفلاحية والتعاضديات والوحدات التعاضدية للإنتاج الفلاحي ومؤسسات التمويل الصغير المكونة في شكل جمعياتي ومجامع التنمية في قطاع الفلاحة والصّيد البحري وتجمّع المصالح الاقتصادية وتعاضديات العمّال ومؤسسات العمّال ومؤسسات العمل الاجتماعي والمؤسسات والهيئات الناشطة في مجال الإحاطة الاجتماعية، ثم وبصفة اختيارية الشركات التجارية التي تستجيب لشرطي الغاية الاجتماعية للنشاط وإعادة استثمار الأرباح في حدود الثلثين على الأقل في مجال موضوعها الاجتماعي باستثناء الشركات التجارية الناشطة في قطاعات الصحة والتعليم والنقل.. يقترح مشروع القانون إحداث هيئة مركزية وهيئات جهوية منتخبة لها صفة الممثل الشرعي والمخاطب لدى السلطات العمومية والأطراف الاجتماعية والمنظمات الدولية ومكتبا وطنيا للاقتصاد الاجتماعي والتضامني والمكاتب الجهوية يتولى تمثيل قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني والعمل على تنميته على المستوى الوطني يتركب من الجلسة العامة ومجلس الإدارة و الكتابة العامة. كما يقترح إحداث مجلس أعلى للاقتصاد الاجتماعي والتضامني كإطار وطني للتشاور والحوار من أجل تطوير مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي التضامني وتأهيلها يتولى المساهمة في وضع مخطط خماسي للنهوض بالقطاع وتحفيز انخراط الشباب فيه ودعم مشاركة المرأة في تسيير مؤسساته وتعزيز مقومات العمل اللائق داخلها فضلا عن التعريف به في إطار المؤسسات التعليمية العمومية. آليات تمويل خصوصية ينص مشروع القانون على إجراءات لضمان استمرارية القطاع خاصة من حيث التمويل والاستثمار تعتمد على التميول التشاركي وتخصيص خطوط تمويل لدى البنوك والمؤسسات المالية، على ان يخصص المشتري العمومي سنويا لمؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني نسبة مائوية من القيمة التقديرية لصفقات الأشغال والتزود بمواد وخدمات الدراسات.. كما ينص الفصل 19 على أن تسحب تدخلات الصندوق الوطني للتشغيل على مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.. ومن غير المستبعد أن يتم اعتماد تمويل ذاتي قار عبر اقتطاع المؤسسات 15 % من أرباحها الصافية في شكل مدخرات وجوبية إلى أن تبلغ 50 % من رأس مالها كحد أدنى يضمن ديمومتها زمن الأزمات ولا توزع أكثر من 35% من نفس الأرباح، ويقع إعادة استثمار الجزء المتبقي في المؤسسة في تنمية أنشطتها وتطويرها، على ان تمنح مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني إعفاءات وامتيازات مالية وجبائية خصوصية. كما تخصص نسبة من الطلبات العمومية لفائدة مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني مع احترام مبدأ المنافسة وتكافؤ الفرص طبق التشريع الجاري به العمل. وتضبط بأمر حكومي هذه النسبة والشروط المستوجبة في المشاريع والمؤسسات المعنية بهذا الإجراء.