قبل ثماني سنوات انطلقت الشرارة الأولى للانتفاضة الشعبية التي سرعان ما تحولت إلى ثورة أطاحت بنظام حكم المخلوع بن علي مرغمة إياه على الفرار مع عائلته وأصهاره وباقي حاشية أتباعه الفاسدين... ثورة لم يكن يقف وراءها تيار سياسي منظم أو جهة أجنبية بل اندلعت بصورة عفوية على أيدي مجموعة من الشباب المعطل والمقموع الذي أقر يومها العزم على نزع رداء الاستكانة والخوف ورفع صوته عاليا: لا للاستمرار في الصمت إزاء الظلم المسلط على عموم الشعب من طرف النظام المستبد والغاشم، الذي أغرق البلاد في الأزمات وشرع الأبواب للفساد والاستغلال والمحسوبية المقيتة. كانت الشعارات التي رفعها هؤلاء الشباب تتمحور حول الحرية والتشغيل والمساواة والكرامة الوطنية، والتي كانت تشكل مطلبا رئيسيا لعموم التونسيين باستثناء الطبقة السائرة في ركب النظام الحاكم آنذاك والمستفيدة ماديا وسياسيا من بقائه واستمراره، ومن هنا كان الانخراط الشعبي الواسع في هذا التحرك الاحتجاجي العفوي وتطوره السريع إلى ثورة كاسحة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، انتهت بانهيار النظام الاستبدادي القائم وفي زمن قياسي، وإعلان قيام الجمهورية الثانية. شعارات لا بد من القول - للأسف الشديد - أنها لم تعرف إلى حد اليوم وبعد انقضاء ثمانية أعوام من عمر الثورة طريقها إلى التجسيم، رغم ادعاء كل الحكومات التي تعاقبت منذ ذلك التاريخ التزامها بتكريسها باعتبارها استحقاقات، حيث غابت الرؤى والمخططات الاستراتيجية المدروسة لإصلاح الأوضاع بشكل يسمح بتحقيق هذه الأهداف، في غمرة معارك التكالب على تعزيز النفوذ والتموقع السياسي بين القيادات والأحزاب والتيارات الحاكمة. بل يمكننا الجزم بأن الأوضاع أصبحت اليوم أكثر قتامة من أي فترة أخرى في تاريخ البلاد وأننا بتنا أكثر بعدا عن الاستجابة لشعارات الثورة في الكرامة والتشغيل والتصدي للفساد والفاسدين، رغم إقرارنا بإحراز خطوات هامة في مجال الحريات والديمقراطية السياسية. وتكفي الإشارة - على سبيل المثال لا الحصر - إلى ارتفاع معدل البطالة إلى 15,5 في المائة حاليا بعد أن كان في حدود 13 بالمائة خلال العام 2010، مع ازدياد حدة التفاوت بين الجهات في هذا المجال حيث تسجل المناطق الداخلية أعلى معدلاتها بالمقارنة مع باقي الجهات، ناهيك أنها تناهز ال29 بالمائة في أوساط حاملي الشهائد العليا ما يؤدي الى خلق وضعية من الاحباط واهتزاز للثقة في المستقبل في صفوف الشباب المتخرج. إنه والتونسيون يحيون ذكرى ثورتهم العظيمة التي هدت عرش الفساد والاستبداد، يجدر تنبيه قياداتنا السياسية إلى مدى خطورة استمرار الابتعاد عن تجسيم الاستحقاقات المطلوبة، وأن عليهم اليوم بالذات تجاوز خلافاتهم السياسية والحزبية من أجل تحقيق مطالب الملايين من شباب الثورة وأن يدركوا جيدا أن الشعب الذي ضحى بدماء أبنائه الزكية في سبيل تغيير حياته إلى الأفضل لن يخون دماء شهدائه...