ما تشهده مناطق عديدة في البلاد من تحركات اجتماعية واحتجاجات متصاعدة يوما بعد آخر على خلفية استمرار انفلات الأسعار وتردي المقدرة الشرائية للمواطنين، لا يجعل المرء ينظر بعين التفاؤل لمستقبل الأوضاع على بعد أيام قليلة من حلول شهر جانفي... هذا الشهر الذي اعتدنا أن يكون أحد أكثر شهور السنة سخونة في تاريخ تونس الحديث، إذ سبق أن شهد معظم الأحداث الجسيمة التي شكلت منعرجا حاسما ونقطة فارقة في تاريخ البلاد، بدءا باندلاع أكبر أزمة بين الاتحاد العام التونسي للشغل ونظام حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في العام 1978، وانتهاء بثورة الكرامة التي بلغت منتهاها في شهر جانفي عام 2011 بانهيار منظومة الحكم التي أسسها المخلوع بن علي وإرغام هذا الأخير على الفرار مع أهله وعصابة المقربين منه وأعوانه إلى المنفى في الخارج. شهر كان معظم التونسيين يأملون في استقباله وهم في حال أفضل، وهو أمل يبدو للوهلة الأولى بعيد التحقيق بالنظر إلى السياسات المعتمدة والتي تستمر في التعاطي مع الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البلاد، بأسلوب ومنهج خاطئين، حيث يتواصل فرض المزيد من الضغوطات على دافعي الضرائب مع اعتماد سياسة النعامة إزاء أولئك المضاربين بقوت الناس، والذين يعمدون إلى احتكار السلع وتزويد الأسواق بها قطرة قطرة لرفع أسعارها وبالتالي تحقيق الربح السريع على حساب جيب المواطن. نعم، ونقولها بكل أسف أن هناك تقصيرا ملحوظا من جانب السلطة الحاكمة في إيجاد الحلول الملائمة للاشكالات القائمة والتي تحول دون تحسن الأوضاع.. حلول تفرض اتخاذ إجراءات جريئة وثورية، للتصدي أولا للمتهربين من الجباية في قطاعات عديدة خارج المراقبة الدقيقة للدولة كالتجارة الموازية والمهن الحرة والذين تقدر بعض المصادر ومن بينها الاتحاد العام التونسي للشغل نسبتهم بحوالي 60 بالمائة، وللضرب ثانيا على أيدي كل الفاسدين بتوسيع الرقابة والمحاسبة لتشمل الجميع دون استثناء أو تمييز. تقصير يتطلب المسارعة بمعالجته وإعادة إحياء بعض الأمل لدى عموم التونسيين بوجود قبس من نور في آخر السرداب، وبأن هناك إرادة سياسية حقيقية في الاصلاح وفرض العدالة وهيبة الدولة على الجميع... وكل شهر جانفي وتونس بخير...