«يا بلدنا، فيكي حاجة محيراني، نزرع القمح في سنين يطلع القرع في ثواني». لا أعرف لماذا قفزت هذه الكلمات إلى ذهني وأنا اقرأ خبر تأسيس حزب جديد إذ أوردت مصالح الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان في بلاغ لها أول أمس انه «تم تأسيس حزب سياسي جديد أطلق عليه اسم «الحزب الوطني الديمقراطي» رئيسه معز ختمي، وذلك وفقا لمقتضيات المرسوم عدد 87 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية». وذيل البلاغ بالإعلان عن العدد الجملي للأحزاب السياسية في تونس والذي بلغ 215 حزبا بالتمام والكمال.!! بعد برهة من التفكر والتدبر استطعت فك العلاقة بين الكلمات التي استحضرتها بتلقائية وواقع الحياة الحزبية في بلادنا منذ ما بعد ثورة الحرية والكرامة. لقد بحت الحناجر المنادية بضرورة التجمع والتوحد والانصهار في حزب أو ائتلاف حزبي قوي يقطع مع حالة التشتت وتلك الطفرة الحزبية ما بعد 14 جانفي بعد سنوات من الكبت والتصحر السياسي والحزبي. والغريب أن الجميع يبدون على قناعة بوجاهة التجمع في جبهات سياسية منظمة واضحة الخيارات والتوجهات والبرامج قادرة على التموقع في المشهد السياسي كعناوين كبرى تمثل أبرز العائلات السياسية، وعبر هذا التوجه قد يبعث البديل أمام الناخب التونسي في ظل الفشل الذريع للأحزاب الحاكمة على امتداد سنوات الانتقال الديمقراطي. الأغرب أن تصريحات أغلب السياسيين لا تجد بدا من التقاء المنتمين إلى نفس العائلة السياسية لا سيما الوسطية الاجتماعية الديمقراطية التقدمية في مشروع أو حزب واحد يكون الخلاص من حالة التردي التي تغرق فيها البلاد مع مرور الوقت. رغم كل ذلك لم نشهد على أرض الواقع تجسيما لهذه القناعات والتصريحات، وحتى المحاولة الوحيدة للتجمع التي مثلها «نداء تونس» في بداية تشكله قبل الانتخابات الفارطة لم تدم طويلا، وأثبتت أنها حملت بوادر فشلها أكثر من نجاحها، ولم تستطع الصمود أمام تعدد الروافد وسيطرة النزعات الانتهازية الفردانية السلطوية، إن صح التعبير. وتتالت المحاولات لجمع الشتات قبل الانتخابات الفارطة وبعدها وقبيل الاستحقاق البلدي الأخير دون أن تثمر أرضية التقاء تقنع الأحزاب وقياداتها بالتنازل عن هوس الزعامة والغنيمة. في المقابل تتسارع الخطوات حثيثة في إحداث المزيد من الدكاكين الحزبية الجديدة وكثيرا من الأحيان دون خيارات وبرامج واضحة ولا بوصلة، وما انفك يتحرك عداد الأحزاب في المشهد السياسي صعودا لا نزولا، وكأن لا أحد يكترث للتداعيات السلبية الممكنة على صورة الطبقة السياسية واستنزاف المزيد من الثقة في مدى شعورها بالمسؤولية وفي الغايات من وراء إصرارها على بعث المزيد من الأحزاب في مشهد سياسي وحزبي أقل ما يقال عنه أنه عقيم ومفلس.