تشهد العلاقات الإيطالية الفرنسية توترا متصاعدا منذ وصول اليمين المتطرف إلى الحكم في إيطاليا منتصف العام الماضي لتشهد في الأيام الأخيرة تصعيدا خطيرا مع تواتر التصريحات والتصريحات المضادة بين مسؤولي البلدين ليكشف هذا التوتر أن مصالح الدولتين في القارة الإفريقية هي محور هذا الخلاف الذي عاد بمسؤولي البلدين إلى الحقبة الاستعمارية ودور كليهما السلبي زمن احتلالهما لعدد من دول القارة السمراء حتى أن إيطاليا لم تتأخر في اتهام جارتها باستغلال دول إفريقيا واستغلال خيراتها وإفقارها والتسبب في تدفق المهاجرين بأعداد كبيرة نحو القارة الأوروبية. الأزمة الفرنسية-الايطالية الراهنة، كشفت أن إفريقيا ما تزال محور صراع بين الدول الاستعمارية السابقة وان المطامع ما تزال قائمة فيما تبقى لهذه الدول من خيرات ..فالاتهامات لم تكتف بالحقبة الاستعمارية بل تجاوزتها إلى ما بعد عشرات السنين من استقلال هذه الدول لتتجرأ ايطاليا على جارتها الأوروبية وتتهمها بالتلاعب باقتصاديات 14 دولة إفريقية تستخدم عملة الفرنك الأفريقي وهي عملة تعود لعهد الاستعمار تضمنها الخزانة الفرنسية... والأخطر اتهامات تتعلق بالوضع الحالي في ليبيا وعدم رغبة فرنسا في عودة الهدوء إلى هذه الدولة والدفاع عن مصالحها النفطية على حساب استقرار الأوضاع في منطقة النفوذ والمستعمرة الايطالية السابقة حتى أن الرغبة في وضع اليد على هذه الدولة لم تعد مخفية خاصة بعد تمسك فرنسا باستضافة مباحثات ليبية عقبها مباشرة احتضان ايطاليا لمؤتمر باليرمو، وكل طرف كان يحاول إفشال منجز الطرف الآخر بشكل معلن وواضح باعتبار أن كلا منهما له مصالح يسعى لتحقيقها تتضارب مع مصالح الطرف الآخر. إن التنافس على ليبيا بين فرنساوايطاليا هو حلقة من بين حلقات محاولات إعادة السيطرة والهيمنة ووضع اليد على دول أخرى في القارة السمراء التي تحمل كلا الدولتين ماضيا استعماريا فيها حتى أن المسؤولين الايطاليين أكدوا أن التفقير الممارس والممنهج من جانب فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية أسس لحالة من الفقر المادي والاجتماعي داخل إفريقيا وأدى إلى الهجرة الكبيرة إلى دول أوروبا والى مآس في البحر المتوسط وطالبوا الاتحاد الأوروبي بمعاقبة كل الدول التي تواصل استعمار إفريقيا وفي مقدمتها فرنسا. الخلاف الايطالي-الفرنسي حول إفريقيا بلغ حد التحريض على الأمن الداخلي لكليهما بل حد المس من الرموز الحاكمة من ذلك تعبير وزير الداخلية الايطالي ماتيو سالفيني عن أمله في أن "يتحرر الشعب الفرنسي قريبا من رئيس بالغ السوء". كما عبرت الحكومة الايطالية على لسان رئيسها ووزير داخليتها عن تأييدها الكامل لتحرك السترات الصفراء في فرنسا ضد سياسة الرئيس ايمانويل ماكرون.. تصريحات ومواقف تثبت حدة المعركة المندلعة اليوم بين دولتين أوروبيتين عظميين من اجل إفريقيا، تؤكد أن الاستعمار الغربي مازال جاثما على القارة السمراء، إن لم يكن بصفة مباشرة، فبصفة غير مباشرة، وان لم يكن عبر سياسييها ودبلوماسييها، فعبر شركاتها الكبرى المتحكمة اليوم في اقتصاديات هذه البلدان، والمسيطرة على ثرواتها الطبيعية والبشرية والاقتصادية في ظل نظام عالمي جديد قوامه منافسة إستراتيجية دولية على خيرات وثروات الكون في ظل وضع اقتصادي ومالي عالمي متأزم وصراع تواجد ورغبة في السيطرة على الموارد الاقتصادية، وحركة التجارة العالمية.