أنهى مجلس نواب الشعب امس جدلا سياسيا عميقا من خلال التصويت على الأعضاء الثلاثة الجدد للهيئة المستقلة للانتخابات ورئيسها. انتخابات جاءت في وقت بدأ الشك يدب في صفوف المتابعين للشأن العام بشأن إجراء الانتخابات في موعدها بعد الحديث عن محاولات لضرب الموعد المحدد والتمديد لرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي. موقف، تأكد بعد أن حاولت كتلة «نداء تونس» أمس، وبعد التوافق على اختيار المترشحين والتصويت لفائدتهم في محاولة لانهاء الازمة وإنجاح ما تبقى من المدة النيابية الراهنة لفك العزلة على الهيئة بعد استقالة رئيسها محمد المنصري، اختراق جدار التوافق لحظات قليلة قبل عملية التصويت. موقف كتلة النداء جاء ليؤكد سعي حزب الرئيس للحيلولة دون نجاح عملية التصويت لسد الشغور في الهيئة بتعلة ان التوافق والالتزام بما تم إقراره بين مختلف الكتل هو في الواقع ضرب لسرية الاقتراع وهو ما وضع الجميع أمام حتمية المضي قدما فيما تم التوافق حوله. ويبدو أن بقية الكتل شعرت بتراجع محتمل للنداء عن التفاهمات السابقة فكان لا بد من خلق خطة بديلة يقدر من خلالها الجميع على كشف خيانة النداء للتوافقات حيث تم وضع علامات مميزة لكل كتلة، وأثناء التصويت قام «نداء تونس» بمراوغة غبية حيث صوت بأوراق بيضاء وكان عددها 18 ورقة وهو ما يعني بالضرورة تأجيل التصويت لعدم حصول المترشحين على العدد الكافي والدستوري للأصوات. ولأن الجميع ادرك إمكانية الخيانة الندائية مسبقا، ولأن الكتل النيابية التزمت بخط التوافقات، فقد وجد «نداء تونس» نفسه في التسلل مع الكشف عن سر العلامات المميزة لكل كتلة ليسقط حلمه في العبث بالانتخابات ولتكون خطته لتأجيل الحسم محل تندر بين النواب. واذ نجح النواب - باستثناء أعضاء كتلة نداء تونس- في الالتزام بمبدأ التوافق فان ذلك يؤكد ان حزب الرئيس غير مستعد بعد للممارسة الديمقراطية وهي مسألة باتت أكثر وضوحا في ظل الهزيمة الداخلية للندائيين أنفسهم بعد ارتفاع حمى الخلافات قبل شهرين من المؤتمر الاول لهم.. خلافات بدأت باتهام المنسق العام رضا بلحاج بسعيه لضرب المؤتمر وهي شهادة وثقها رئيس كتلة النداء سفيان طوبال منذ نحو شهر. موقف بلحاج من المؤتمر ومن حافظ قائد السبسي تطور بشكل لافت حيث أكد على ضرورة "إيجاد هيكل توافقي داخل الحزب لضمان انعقاد المؤتمر في إطار محايد نزيه وشفاف". وقال بلحاج لدى حضوره في اذاعة "جوهرة أف أم" إن "الاشكال يكمن في أن هناك بعض الأشخاص الذين رجعوا للنداء وهم غير واثقين من أن المؤتمر سينتج صورة مغايرة وهم خائفون من الابقاء على نفس المنهج، وهذا ما أعتبره قاتلا بالنسبة للحزب"، لافتا الى انه "من مصلحة الكل، كقيادات وقواعد، تأسيس هيكل لتسيير الحزب إلى حين عقد المؤتمر، وألا تكون لهم أية طموحات للتأثير في المؤتمر"، لافتا إلى أنه "دون هذا الحل لا يمكن أن يثمر المؤتمر عن نتائج ملموسة لعودة الناس للحزب". ولَم تكن ازمة الثقة الحاصلة وحدها عنوانا واسعا للازمة بل إنها زادت مع إعلان نواب «الاتحاد الوطني الحر» الانسحاب وفك ارتباط الانصهار الذي جمعهم بحزب النداء في محاولة لاسقاط حكومة الشاهد، بيد ان ذلك لم ينجح. ولأن التحالفات الملغومة هي في الواقع مؤجلة الانفجار، فقد عجز النداء عن الحفاظ على نوابه ومنسقيه الجهويين ليعلنوا استقالتهم جماعات وفرادى، ليبقى نداء حافظ دون سند برلماني قوي، الأمر الذي دفعه للاحتماء بالمعارضة بعد مشاركته في الحكم لخمس سنوات. وبعيدا عن الشغب السياسي للنداء، فقد اعتبر الناطق الرسمي باسم حركة «النهضة» عماد الخميري، ان كل الاطراف السياسية حريصة على إجراء الانتخابات في آجالها الدستورية. وأضاف الخميري امس في تصريح للإذاعة الوطنية أن أحد عناوين الالتزام بالتوافقات الاخيرة حول المترشحين لتسديد الشغور صلب هيئة الانتخابات هو الحضور المكثف لنواب مختلف الكتل النيابية. واذ نجح البرلمان -باستثناء النداء- في تعديل الاوتار داخل الهيئة المستقلة للانتخابات، فإنه مطالب الآن بالتعجيل في التصويت على المحكمة الدستورية حتى يكتمل المشهد الديمقراطي، وكما نجح المجلس الوطني التأسيسي في إنشاء دستور 2014، فإن المجلس الحالي أمام حتمية تاريخية تقضي بإكمال المسار الديمقراطي انتصارا لانتفاضة 17 ديسمبر 14 جانفي.. فهل ينجح النواب في رهانهم هذا؟