عندما ظهر تنظيم "داعش" الإرهابي في مدينة الموصل في العراق سنة 2014 أطلق عليه الإعلام الغربي صفة "تنظيم الدولة الإسلامية " وقد كنا نصر على أن هذا التنظيم الإرهابي لا هو بالدولة ولا هو بالإسلامية قبل وبعد أن اتضحت جرائمه الدموية، تماما كما هو الشأن بالنسبة لما سمي بالمدرسة القرآنية بالرقاب التي لا هي بالمدرسة ولا هي بالقرآنية، وهي لا تختلف في شيء عن تلك المعسكرات أو القنابل الموقوتة الواقعة تحت سيطرة الجماعات المتطرفة التي يجري إعدادها في مختلف مراحل التكوين التي تسبق التوحش والتمكن من أجهزة ومؤسسات الدولة.. وقد بات لزاما على الجميع اليوم تجاوز الصدمة والانتباه جديا لكل الفروع المرتبطة بهذا المعسكر أو غيره من المعسكرات التي جعلت لها من تعليم القران غطاء لاستنساخ تجربة "طالبان" أفغانستان وباكستان وجماعة "بوكو حرام" نيجيريا و"الشباب الصومالي" وحتى جماعة "ابوسياف" الفيليبينية وغيرها من التنظيمات التي تعمد الى استقطاب النشء مبكرا وإعدادهم لمهمات قد يصعب تصورها.. وفي انتظار تحميل كل طرف مسؤولياته والتوقف عن سياسة النعامة وإخفاء الرأس في الرمل فان الخوف كل الخوف ان يكون معسكر الرقاب الشجرة التي تحجب الغابة وتخفي عن الأنظار خطرا أكبر وهو ما يعني بالضرورة البحث في ظروف وملابسات معسكر الرقاب وتحديد الأطراف الممولة والداعمة له بالمال والمدربين.. وقد يتعين علينا ان نتهيأ لصدمة أشد عندما تكتمل التحقيقات تنكشف المزيد من التفاصيل حول طبيعة المعاملة والانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال والتي قد تلاحقهم مدى الحياة في حال عدم التعامل معها بطريقة جدية لبلسمة جروهم الجسدية ولكن أيضا الآثار النفسية على عقولهم الصغيرة.. ومن يدري فقد تكون مدرسة الرقاب واحدة من عناوين كثيرة تتخفى تحت رعاية شبكات دولية تستقطب النشء وتجعل منه قنابل موقوتة لمهمات لا يمكن لاي مؤسسة تربوية تعمل في اطار القانون أن تقبل به أو تدفع اليه.. ولا يمكن لاي مدرسة قرآنية أنشأت وفق القانون المتعارف عليه والرسالة المرتبطة بها أن تنساق اليها او تستغل ضعف وهشاشة وسذاجة الاطفال الذين يفترض أن تكون المدرسة المكان الأكثر امانا لهم في غياب الأولياء .. لسنا نريد استباق الأحداث ولكن الأكيد أن جريمة الرقاب تتجاوز المسؤولية فيها المشرفون على ذلك المعسكر لتشمل أيضا السلطات الرسمية التي تتحمل مسؤولية سياسية وقانونية وأخلاقية' والأكيد أن في غياب سلطة القانون ما يمكن أن يجعل من المجتمع حقل ألغام قابل للانفجار في كل حين، وعندما تغيب مؤسسات الدولة وتعجز عن إرساء العدالة الاجتماعية والمساواة في الفرص بين الجميع وتفشل في تقديم البدائل للحد من مظاهر الفقر والجهل وتداعياته على العقول والنفوس. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون لإقالة والي المنطقة والمعتمدة نهاية المطاف لانهاء مسؤولية الدولة إزاء أبنائها أو التهرب من استحقاقات المسائلة والمحاسبة في التقصير الحاصل ... وإذ تبقى المسؤولية الأهم والأخطر مرتبطة بالأولياء وبالعائلة وهنا مربط الفرس، فلا شك أن فضيحة الرقاب أزاحت الستار عن توسع دائرة الجهل الذي يظل العدو الأخطر لكل المجتمعات بيننا، وإلا كيف يمكن تبرير ما أقدمت عليه عائلات أطفال الرقاب التي تخلت عن واجبها في تربية أبنائها وقدمتهم اما بدافع الفقر أو الجهل او ربما الابتزاز للجلاد ليجعل منهم ضحايا لأفكاره وسمومه ومخططاته .. لا خلاف أن المعركة القادمة أو الجهاد الأكبر الماثل أمامنا وعلى حد تعبير الزعيم بورقيبة ترتبط في التوقف مجددا لمحاربة العقليات الظلامية الغارقة في التخلف والمعادية لدولة القانون والمؤسسات.. مراجعة قانون الجمعيات ووضع مصادر تمويلها تحت المجهر مسألة مصيرية تماما كما هو الحال بالنسبة للمدارس الدينية التي يتعين أن تعود الى سلطة الدولة وأن يكون تعليم القران جزء من البرامج التعليمية كما عرف عنه في المدرسة العمومية التونسية لسحب البساط أمام أهواء تجار الدين وحساباتهم الشيطانية.. لقد تأخرت معركة الإصلاح للمؤسسة التربوية أكثر مما ينبغي وآن الأوان للانتباه جديا لخطر المد الطالباني المتطرف على بلادنا والذي وجد له في المساجد المستباحة وفي خطابات الكراهية والفتاوى التي رفعت في منابرنا وجامعاتنا وشوارعنا وهددت بالسحل وقطع الأرجل وراهنت على عودة الجهاديين وإعادة احتضان وتأهيل اللحم المتعفن كيف يتعين اليوم مواجهة الخطر والكشف عما يجري خلف فقاعات المدارس القرآنية أو تلك المتفرعة عن شبكات دولية التي ظهرت فجأة في كل الأحياء وفي كل المدن و التي هي في ظاهرها مدارس قرآنية وفي باطنها أوكار إرهابية.. ...المعركة اليوم معركة عقل وفكر ومعركة علم ومعرفة واعلاء لشأن المدرسة العمومية وبدون ذلك سنستفيق وقد بات في كل حي من أحيائنا معسكر مماثل لمعسكر الرقاب.