أنهى حزب التيار الديمقراطي اجتماع مجلسه الوطني دون تقدم في المواقف حيث تشبث التيار بشروطه المعلنة، ولَم يكن اجتماع الحزب اول امس الاحد سوى تثبيت لتلك الشروط ومحاولة لاضفاء الشرعية المؤسساتية عليها. شروط مسبقة .. واكد بيان الحزب الصادر امس الاثنين ان مشاركة التيار الديمقراطي مرهونة بشروط " تكليف رئيس حكومة مستقل عن الأحزاب المشاركة في الحكم ومشهود له بالكفاءة والنزاهة ". بالاضافة الى " تكليف التيار الديمقراطي بوزارات الداخلية والعدل والإصلاح الإداري كاملة الصلاحيات، لضمان مشاركة ناجعة وتحقيق التغيير الحقيقي الذي يستجيب لانتظارات شعبنا". ويدرك "التياريون"ان إصرارهم على شروطهم قد يبقيهم خارج دائرة الحكم لاحقا سيما وان الحزب مصر على وزاراتي سيادة وهما "العدل والداخلية" في ظل رفض حركة النهضة لاي شروط تسبق عملية التفاوض والتواصل مع أية جهة ،الامر الذي دفعها لاعتبار الشروط القبلية للتيار انما هي محاولات للابتزاز السياسي المرفوض. اصرار التيار على شروطه احالة ضمنية على رغبة الحزب في الذهاب الى المعارضة ومواصلة مهامه هناك ،خاصة وان الحزب نجح في الكشف عن العديد من الملفات ومكافحة الفساد بثلاثة نواب في 2014 و قد يكون الامر اكبر من ذلك وقد أصبح للتيار 17 نائبا. ماذا لو ؟ غير ان السوال الأهم ماذا لو فشل التيار في فرض شروطه على حركة النهضة؟ هل ان هروب التيار الى المعارضة هو حل لضمان بقائه والتمدد اكثر مع حلول انتخابات 2024؟واذا كان للتيار هذا الحرص على اخراج البلاد من ازمتها فلماذا يخاف التيار المشاركة في الحكم ؟ لا تبدو شروط التيار الديمقراطي منطقية بالنسبة لحركة النهضة وهو ما عبرت عنه نقاشات مجلس الشورى الاسبوع الماضي التي انقسم فيها المجتمعون بين قابل لرئيس حكومة من خارج النهضة وهم أقلية وبين اكثرية ترى ان للحركة الحق في تعيين من تراه مناسبا من ابنائها. واختلاف اعضاء الشورى هو في الواقع نقل للنقاشات المضنية لتشكيل الحكومة وسعي كل الاطراف للاستفادة من الوضع المحرج الذي تمر به حركة النهضة والتي لم تنجح الى حد الان في ايجاد شركاء لها في الحكومة القادمة في ظل ارتفاع سقف الطموحات الحزبية وحلم "التوزير" كشرط للمشاركة في الحكم. الرفض لاجل الرفض ... وتبدو مصلحة تونس في ضمان مشاركة التيار الديمقراطي على اعتبار حجم الثقة التي يتمتع بها عند عموم الناخبين غير ان ذلك لا يعني ان تحقق النهضة حلم التيار بالوزارات المطلوبة بقدر ما يعني تعديل الموقف " التياري"في اتجاه ايجاد ارضية ملائمة للنقاش. فدخول التيار للحكم هو في الواقع مكسب للبلاد وضمانة أساسية لمراقبة الحكم من الداخل في حين ان البقاء خارج مربع القصبة هو خسارة للشعب بالدرجة الاولى سيما وان استفادة أطراف اخرى من الحكم ممكنة، فالتواضع بات مطلوبا بالنسبة للتيار وان سياسة الهروب الى الامام لن تصنع حزب معارض وقوي. ومازالت تجربة الجبهة الشعبية كائتلاف ضد الطبيعة رافض لكل شيء تشكل درسا لعموم السياسيين الرافضين للتجدد السياسي، فالوقوف في نفس الزاوية لا يعني الثبات في المبدأ بقدر ما يعني العجز على اتخاذ الخطوة الصحيحة الى الامام. وحتى لا تخسر البلاد التيار كطرف وشريك مميز في الحكم، لماذا لا تجنح النهضة لشروط التيار ؟ سؤال قد يجد ما يبرره خاصة وان فك العزلة على النهضة يتطلب بالضرورة التفاعل الإيجابي مع بقية شركائها المحتملين وهو ما بيّنه رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي مؤخرا حيث اكد على اهمية التفاعل الإيجابي مع الجميع. والى جانب التفاعل الإيجابي فقد قدمت حركة النهضة في وقت سابق جملة من التنازلات من اجل ضمان الاستقرار اذ ضحت الحركة بالتوافق السياسي مع نداء تونس و قدمته قربانا للاستقرار الحكومي والسياسي بعد الخلافات الحادة بين رأسي السلطة التنفيذية السنة الماضية. وبات من الضروري ان يعي حزب التيار ان نشوة الانتصار الانتخابي يجب ان لا تحمله فوق السحاب فإبقاء الأرجل على الأرض اهم مميزات الحزب الناجح ،فالنهضة لا شيء قد يمنعها من نقاشات التكوين الحكومي مع حزب نبيل القروي بتعلة اكراهات تكوين الحكومة... خليل الحناشي