وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على هامش انعقاد قمة منظمة شنغاي للتعاون تهديدات الغرب بفرض عقوبات على روسيا بعد التطورات الأخيرة التي نجمت عن أحداث أوسيتيا الجنوبية، والاعتراف الرسمي لموسكو باستقلالها إلى جانب اقليم ابخازيا بأنها مجرد نتاج خيال مريض وارتباك في الغرب، في تهكم واضح وتأكيد صريح أن ادارة الكرملين لا تخشى مثل هذه التهديدات ولا يخيفها التلويح بمعاقبتها. وبالفعل فقد كشفت الأزمة الأخيرة وتطوراتها المتلاحقة حجم المأزق الذي وقعت فيه جورجيا ومن ورائها الغرب لأنهما لم يحسبا جيدا حجم وقوة الرد الروسي بل لم يتوقعا البتة أن ترد موسكو على المغامرة الجورجية باعترافها الرسمي باستغلال اقليمي اوسيتيا الجنوبية وابخازيا في خطوة تبدو وكأنها رد على اعتراف الغرب باستقلال كوسوفو والذي اعتبرته غير قانوني متهمة الدول الغربية بالاسراع في الاعتراف باستقلاله عن صربيا في فيفري الماضي. تهديدات الغرب واصرار موسكو على المضي قدما في خطواتها كشف أيضا أن نظام القطبية الواحد بدأ يتآكل، وأن موسكو عازمة هذه المرة على استرجاع مكانتها على مسرح الأحداث العالمية وبأنها جادة في الرد على كل من تسول له نفسه التلاعب بمصالحها الحيوية فمنطقة القوقاز تمثل خطا أحمر وعمقا استراتيجيا بالنسبة لها وتجاوزه أو محاولة المساس به يعني تهديدا لأمنها القومي ومصالحها الاقتصادية لم تخفه كم من مرة وكررته في أكثر من مناسبة، وهو ما يفسر الرد السريع التي اتخذته ادارة الكرملين بخصوص الأزمة في اوسيتيا الجنوبية. ومع أن موقف الغرب المتذبذب يعكس حجم الارتباك والمأزق الذي اوقع فيه جورجيا ووقع فيه هو الآخر بما أنه لم يكن يتوقع رد فعل الروس فهو من جانب آخر يكشف حجم المغالطات وسياسة الكيل بمكيالين التي ينتهجها تجاه مثل هذه القضايا والأحداث، ففي الوقت الذي تسارع فيه أمريكا والدول الغربية إلى إدانة روسيا تتناسى الاحتلال الاسرائيلي ومجازره اليومية في حق شعب أعزل، وتتغافل عن الحرب التي شنت على الشعب العراقي بدون أدنى مبرر أو موجب سيظل يعاني من تبعاتها الاقتصادية والاجتماعية سنين طوالا، والقتل اليومي كذلك للأطفال والنساء في أفغانستان بدعوى محاربة «الارهاب»، إلى جانب التهديدات الأخيرة للسودان... والقائمة تطول وكأن ليس هناك عدالة دولية، فقط لا شيء يعلو على مصالح الغرب وكأننا بهم يقولون سر في طريقك وان كان معبدا بالجماجم. في الواقع ان الموقف الذي تبنته روسيا في الأحداث الأخيرة قد يسهم في إعادة التوازن إلى العلاقات الدولية بعد انفراد الولاياتالمتحدة بتقرير مصيرها على امتداد الفترة التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي وما جلبته هذه السياسة من نتائج كارثية على السلم والأمن الدوليين وهو الأمر الذي تجلت مضاعفاته في العراق وأفغانستان والأراضي الفلسطينية، ومنطقة القوقاز، فهل يمكن لروسيا اليوم أن تسد الفراغ الذي تركه السوفيات بالأمس؟