صدر بجريدة «الصباح» بتاريخ يوم 29 جوان 2008 بركن "وجهات نظر" بقلم الدكتور محمد الذوادي تحت عنوان "اللغات الأجنبية بوابة لنشر مركبات النقص في أفراد بعض مجتمعات اليوم". لئن حرص الدكتور محمد الذوادي بأسلوب يبدو بسيطا لإبداء وجهة نظره في المجتمع التونسي وعقدة اللغات الأجنبية في حياته اليومية ونفسيته فإن دراسته بدت لي منقوصة من الكثير من الموضوعية كما أنها تفتقر إلى قراءة في القوانين التونسية في هذا المجال وإلى دراسة أعمق للمجتمع وتأثير اللغة الأجنبية عليه. وفي هذا الرد والذي أريده أن يفهم بكل موضوعية سأتطرق إلى بعض النقاط التي لا أوافق الدكتور الرأي فيها كفرد من أفراد هذا المجتمع وبغض النظر على الألقاب فأنا لست دكتورة في علم الإجتماع ولكني أستاذة في اللغة الإنقليزية! ورد في مقالة الدكتور الذوادي الحديث عن "تربة النسيج الإجتماعي للمجتمع التونسي" والذي اكتشف الدكتور أنه نتاج لتربية ماشية الذكور في الشمال الشرقي للبلاد التونسية كما أن للفرنكو أرأب الأنثوية الفضل فيما أسماه "بالتخلف الآخر" وهذه النقاط تبدو غير مفهومة للقارئ وكان لزاما على الكاتب أن يفسر تلك النقاط ويحللها أكثر حتى لا يعم الغموض والالتباس فإن كان الدكتور يقصد بالأنثوية "النسوية" فإن دراساتي في هذا الميدان قراءاتي لنوال السعداوي بالعربية أو ل Judith Butler, Christina Crosby, Linda Singer, Samira Azzam, Alifa Rifaat أو Kristina باللغة الإنقليزية لم أجد فيها ما يفيد لا من قريب أو بعيد بأن النسوية لها علاقة "بالتخلف الآخر"! فالتخلف الآخر الذي هو حسب الدكتور مزج العربية بلغات أجنبية وهو ما يتهم به المجتمع التونسي بصفة عامة هي ظاهرة عالمية ولا تقتصر على المجتمعات العربية ولا على البلدان التي في طريقها إلى النمو كتونس أو البلدان المتخلفة أو بلدان العالم الثالث ففرنسا مثلا منذ ما يقارب العقد تعاني من هذه الظاهرة وذلك ناتج لغزو الثقافة الأمريكية وسياسة "العم سام" في أوربا ففي باريس لك أن تسمح كل هذه المفردات من أفواه باريسية أب عن جد:"ok "hi" "bye" "no problem" "impossible" وبلكنة أجنبية مع نطق "the" "ذ" "ze" "R" "ز" "غ" إن زمن العولمة الذي نعيشه ونعيش تبعاته الإقتصادية والسياسية والإجتماعية هو المدين هنا ولم تسلم لا الشعوب المتقدمة ولا الشعوب التي في طريقها إلى التقدم من مخلفات هذه العولمة ولا رأى أن الفرد التونسي هو الذي يقف في قفص الاتهام وبالتالي تبنى عليه نظريات وآراء جد ذاتية بل هي مجموعة أسباب ومسببات جعلت البعض يعاني مما أسماه الدكتور "التعريب النفسي". إن الإصلاحات التربوية التي قامت بها الدولة في ميدان التعريب لأحسن دليل على الغيرة الوطنية سياسة وشعبا على اللغة العربية فالتلميذ في التعليم الأساسي يدرس المواد العلمية من إيقاظ علمي وتربية تكنولوجية ورياضيات وعلوم حياة الأرض والعلوم الفيزيائية حتى التاسعة بلغته الأم كما أن خدمات شركة الماء والكهرباء قد عربت فاتوراتها منذ زمن ونفس الشيء في الوظيفة العمومية بكامل فروعها فكيف يمكن للدكتور الذوادي أن يؤسس اتهامه على ما تبقى من مؤسسات -وهي قليلة- ليشكك في غيره التونسي على لغته التي هي منبع أصالته. ومن "أسباب جذور هذا الموقف المشين من اللغة العربية" حسب الكاتب هي اعتماد بعض السياسيين بعد الفترة البورقيبية إلى اللغة الأجنبية بدل اللغة العربية ربما لم يتفطن الدكتور أن الحقبة التاريخية لفترة ما قبل الاستقلال وما بعدها لها أحكامها وأن استعمال لغة المستعمر كان لزاما سياسيا وضرورة أكثر منها تملصا أو اجتثاثا للغتنا الأم. وإن خطابات بورقيبة كان جلها في ذلك الوقت ناطقة بالعربية رغم حساسية وضع تونس بعد الإستقلال وإن هذه السياسة ازدادت تأصلا في سياستنا فاختيرت العربية لغة المؤتمرات والملتقيات الدولية وناطقا رسميا في كل الندوات ذات الصبغة الإقتصادية وحتى العلمية فلم التجني؟ ويواصل دكتور علم الإجتماع تحليل التناقض الموجود في الفرد والدستور التونسي فمن جهة ينص الدستور أن اللغة العربية هي اللغة الأم وهي اللغة الوطنية من جهة أخرى يتصرف الفرد التونسي بتجاهل أو عدم احترام للغته فهي "لا تحتل المكانة الأولى في قلب وعقل واستعمالات معظم التونسيين" وهذا ما يطلق عليه علماء الإجتماع "التنافر الإدراكي" ويقترح الكاتب إما عدم التنصيص دستوريا بأن العربية هي اللغة الوطنية وهو ما لا يقبله العقل ولا القلب. وإما على التونسي أن يغير ما بنفسه حتى يغير واقعه وهو كلام سليم والدولة تسعى جاهدة لتركيز العربية في جميع مدارسها بأرض الوطن وخارج أرض الوطن فاليوم تنعم الجاليات التونسية في أوربا وبعض الدول الآسيوية وحتى في أمريكا الشمالية بتعليم عربي تونسي كما أن الدولة تهتم سنويا بتمكين أبنائنا المهاجرين من دروس صيفية باللغة العربية.وكل ذلك لأجل أن تعيش لغة الضاد وتستعيد إشعاعها. إن القارئ للمجتمع التونسي عن قرب يكتشف بلا شك هذا الزخم من التناقض والألوان والاختلافات الكثيرة بين أفراده. ولكنه يأنس لطيبة معاشرته وحسن أخلاقه ويندهش لقدرته على الإستعاب والإدراك. فالتونسي ذكي بالدرجة الأولى ويعرف من أين تؤكل الكتف وكيف يؤثر على مخاطبه متبعا في ذلك مقولة "وخاطب القوم بما يفهمون". وقد أكدت التجربة الميدانية أن التونسي سريع في تعلم اللغات الأجنبية وقادر على تملكها واستعمالها. فتونس بلد سياحي منفتح على المتوسط وقبلة للزائرين من العالم بأسره. فو الله إنها لمفخرة للتونسي بأن يجيد الخطاب والتخاطب بدون أن يكون ذلك سببا في شعوره بمركب نقص تجاه لغته أو إدانته بأنه استعمر ثقافيا. والمدقق في الحركة الثقافية للبلاد سيكتشف أن خيرة أساتذة اللغة الفرنسية بالجامعة التونسية اختاروا اللغة الأم لكتاباتهم الروائية فمن فرج لحوار إلى حافظ الجديدي والهادي الخليل وغيرهم كثيرون! الأكيد إننا نعيش في زمن صعب وصعب جدا وأن التحديات المناطة بعهدتنا كبيرة ومسؤولياتنا في هذا المجال ثقيلة ولكن هدفنا وطموحنا واضح وهويتنا لامجال للتشكيك فيها ولغتنا هي لغة ديننا الإسلامي. ومهما كانت هذه العراقيل فما نحن بصدد بنائه اليوم ستنعم به الأجيال القادمة وآمل أن يفهم الجميع أن اللغات الأجنبية هي بوابة نشر العلوم والإستفادة من تجارب أمم قد سبقتنا بقرون في هذا الميدان. لا أن نشكك في أهميتها ونغلق على أنفسنا أبوابا من الحضارات والثقافات بتعلة أن التونسي يستعمل العربية مدخلا عليها بعض المفردات الأجنبية! (*) أستاذة أولى للتعليم الثانوي - أكودة