أثار ما كتبته الاسبوع المنقضي حول ضرورة فتح المؤسسات التربوية صيفا لتكوين ورسكلة التلاميذ ردود فعل متفاوتة فهناك من إتصل بي محتجا على المساس بما سمّاه حقّا مكتسبا لرجال التعليم ألا وهو الخلود للراحة خلال الصيف وهناك من دعانا الى مزيد الالحاح على سلط الاشراف كي تسعى لتجسيم هذه الفكرة التي قال البعض أنها سبق ورأت النور لكنّها لم تعمّر طويلا. إن ما كتبته كان ايمانا مني ان المؤسسة التربوية كالطائرة أو الحافلة أو أية مؤسسة انتاج جعلت لتعمل وكل توقف لنشاطها يعتبر نقصا في الربح manque à gagner.. والنقص في الربح في موضوع الحال هو نقص في تكوّن أجيال الغد.. هو نقص في قدرتهم على المنافسة التي يواجهها من سبقهم اليوم وسيواجهونها هم غدا في سوق الشغل باعتبار ما أصبحت توفره دول عالم ثالث معروفة بفقرها المدقع من كفاءات علمية عالية أهلتها لتصبح مصانع للذكاء في العالم وهنا يكفي أن نسوق مثال الهند. اليوم نشاهد شبابنا وأطفالنا يؤسسون لمجتمع استهلاكي دون تنمية قدراتهم على الاستنباط والتميّز من خلال ثقافة «البلاي ستايشن» وقنوات الموسيقى وألعاب الفيديو وما يصطلح عليه بقنوات الواقع التي لا تمت للواقع بصلة.. مجتمع استهلاكي يمضي شبابه وقتهم في المقاهي يمضغون الاحاديث الجوفاء ويجترون العبارات «البليدة» ويبحثون عن آخر تقليعات الموضة لانها الوحيدة التي تمكنهم من «التميّز» دون بذل جهد غير جهد الانفاق على حساب الغير طبعا لاقتنائها. اليوم نشاهد الذوق العام يتبلّد والمنافسة العلمية تضمحل والكتاب ينام على الرفوف واللغات «تتشفعّ» لخالقها من كثرة ما يلحقها من ايذاء.. نشاهد الشباب والأطفال يملأون الشوارع ويحفظون عن ظهر قلب قصائد هجاء سوقية وأنواع شتى من السباب والشتائم وفنون عدّة للتحيّل والاعتداء على الغير.. نشاهد كيف السجون تفتح لهم أبوابها في حين تغلق أبواب المؤسسات التربوية بتعلّة العطلة الصيفية. في المقابل نجد آلاف مؤلفة من المدرسين لم يؤدوا أية خدمة لهذا الوطن الذي كوّن وأهّل ووفر الشغل ووفرّ المسكن اللائق والطرقات المعبّدة والتغطية الصحية والاجتماعية.. آلاف مؤلفة يجنون الثمار ولا يقدمون شيئا وحتى الضرائب لو لم تقتطع من المصدر لما سددوها.. آلاف مؤلفة غضت الدولة الطرف عند انتدابهم عن شرط أساسي من شروط الانتداب في الوظيفة العمومية ألا وهو أداء الخدمة الوطنية وهي مخطئة في إعتقادي تجدهم اليوم «يمدون أرجلهم» ولا يقدمون أية خدمة تكوينية الا بمقابل ومقابل باهظ بل ويحتجّ بعضهم عندما تتعالى أصوات منادية بمزيد تكوين التلاميذ وتهيئتهم ليكونوا عماد تونس الغد ورافعي رايتها عاليا.. أهكذا يقابل الاحسان بالجحود؟