أكد المؤتمر الاستثنائي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم المنعقد بتونس يومي الجمعة والسبت الماضيين أن الوعي بضرورة نشر التعليم مسألة لم تعد المطلب الأساسي في الوطن العربي بل إن المطلب الأساسي يتمثل في الدعوة إلى تطوير التربية والتعليم العالي والبحث العلمي والإرتقاء بالتعليم إلى أعلى درجات الجودة وجعله القاطرة التي لا تتوقف من أجل تنمية دائمة قاعدتها التحديث والعقلانية دون التخلي عن الهوية على أن تكون مقومات الهوية دافعا قويا نحو مستقبل عربي أفضل يفتح على العصر. لقد حان الوقت فعلا لصياغة منظومة تربوية متطورة تجعل الوطن العربي قادرا على صنع مستقبله بدلا من أن يصنعه الآخرون وستسعى إلى تلافي العجز في رأس المال المعرفي والنهوض بمستوى ونوعية المعرفة التي يجري إنتاجها وتطبيقها». المؤتمر الاستثنائي حضره عدد كبير من وزراء التربية والتعليم والتكوين كما حضرته منظمات أخرى إلى جانب المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم مثل الايسيسكو، ومكتب التربية العربي لدول الخليج، ومؤسسة الفكر العربي، وتوصّل الوزراء الذين مثلوا الحكومات العربية كلها إلى الاتفاق حول الخطة التي رسمتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بدعوة من مؤتمر قمة الخرطوم صاغها عدد كبير من الباحثين والخبراء العرب وفق المقترحات العربية وبالنظر إلى الوضع العربي العام والمستجدات في العالم، هدفها تطوير التربية في الوطن العربي وإيجاد الجوامع المشتركة واستنباط البدائل وتأسيس ثقافة مستقبلية «تقوم بتوفير المقاربات وتحديد الاستجابات لما هو مطلوب من سياسات وبرامج لعملية تطوير نابعة من داخل السياق العربي.» وما يجب التأكيد عليه أن هذه الخطة التي تمت المصادقة عليها يوم السبت الماضي بعد مناقشتها وادخال بعض التحويرات عليها بحضور عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية وباشراف المنجي بوسنينة المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ستعرض على مؤتمر القمة القادم الذي سيلتئم بدمشق في مارس 2008. ومن الضروري أن نشير أن هذه الخطة التربوية ما كانت لتكون لولا الجهود التي بذلتها الألكسو في السنوات الأخيرة شهدت فيها متغيرات جذرية في عملها العربي المشترك الذي كان غارقا في رؤية تقليدية نكاد نقول منغلقة على نفسها. لقد شهدت هذه المنظمة العتيدة في السنوات الست الأخيرة حركية متدفقة وفق رؤية حداثية منفتحة على العالم الخارجي بهدف تطوير الثقافة والتربية والعلوم في البلاد العربية حتى تكون مواكبة للعصر. وما يثلج الصدر أن البلدان العربية تبنّّت هذه الرؤية الحديثة وما الخطة التي رسمتها سوى برنامج عربي متكامل لتطوير التعليم بدعم سياسي على أعلى مستويات صنع القرار يسعى الى مساندة الدول العربية على كسب رهان التقدم المعرفي وإلى تضييق الفجوة في المعارف والقدرات والتوجهات بين البلدان العربية وتلك المتقدمة إلى الحد الذي يمكن الوطن العربي من المتابعة النشيطة والواسعة النطاق والنقدية لتطور المعرفة و«التّقانة» في العالم ويوفر الاستطاعة لاستخدامها بكفاءة ومن ثم المشاركة الفاعلة في انتاجها من منظور خصوصية المسارالتنموي العربي. تلك بعض ما تتضمنه الخطة التي أتت انطلاقا من الرؤية الجديدة للوطن العربي والعالم، الأستاذ عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدولة العربية يقول في كلمته في افتتاح المؤتمر المذكور بأن جيلنا يتساءل عن مصداقية العزم على تطوير الحياة العربية ويقول «أنا واحد من المواطنين العرب، واثق بأن تطوير هذه الحياة لا يمكن تحقيقه دون اصلاح تربوي شامل». قال ذلك بعد أن أكد أن التعليم العربي (مع بعض الاستثناءات القطرية) في وضعه الحالي ضئيل في القيام بدور فاعل في النمو الاجتماعي والحضاري تغيب عنه الحوافز واذكاء روح البحث والابداع، وهو لا يستجيب لمتطلبات النهضة كما يتمناها كل العرب الآن. والأستاذ المنجي بوسنينة المدير العام للألكسو يرى أننا لسنا في حاجة الى التأكيد على حق التعليم هكذا بشكل عادي ومجرد بل ان العرب اليوم في حاجة الى التأكيد على الحق في التعليم الجيد، في التربية المتطورة الحديثة والناهضة واذا لم ندخل العمل النهضوي الكبير فان النتيجة ستكون وخيمة، فاما مواكبة العصر على أسس حديثة واما الموت البطيء وخروج الأمة من العصر والعيش على هامش التاريخ. ان الرهان ثقيل ولا بد من كسبه حتى نطور وضعنا التربوي والثقافي والحضاري ونكون مواكبين للتيارات والمستجدات الحديثة الناهضة لاثبات ذاتنا العربية في عصر لم يعد ينتظر أحدا من المتواكلين القاعدين القانعين بما هو موجود... والموجود ليس مهما. أما وزير التربية والتكوين السيد الصادق القربي فإنه يقول بأن الشعوب العربية تنتظر منا الكثير لمواكبة المستجدات والمتغيرات في هذا العصر الذي يزخر بالتحديات وليس لنا سبل أخرى غير دخول العصر وصناعة الذكاء وانتاج المعرفة وتوخي الطرق العقلانية في كل أعمالنا. وقال الوزير: «نحن مطالبون جميعا بقيادة الأمة العربية الى فجر جديد بالتمكن من ناصية الثوابت واعداد قدراتنا على الانفتاح، ولا يتحقق ذلك بدون تربية ذات منظومة متطورة حديثة تقوم على تعليم جديد وتمدرس للجميع وبحث علمي رفيع المستوى». انه وعي جديد ومتطور فهل نبدأ بالتطبيق فالوعي لا يكفي ان كان ضروريا.