التصريحات المتواترة من واشنطن الى طهران بشان أي تحولات محتملة في العلاقات بين البلدين في المستقبل توشك ان تبقى حبيسة التصريحات والعبارات المشروطة الغارقة في الحسابات بين هذا الطرف وذاك دون ان تتجاوز حدود التكتيك الى ما هو اهم في العلاقات الديبلوماسية اذا استمرت محاولات جس النبض واختبار النوايا الى ما لا نهاية... صحيح ان المرحلة الراهنة لا تزال ابعد ما تكون عن الظروف التي هيات لتلك الخطوة التي جسدها الرئيس نيكسون في 21 فيفري سنة 1972 عندما حط الرحال بالعاصمة الصينية بيكين ليصبح اول زعيم امريكي يزورالصين معلنا بذلك تحولا مصيريا في توجهات الخارجية الامريكية واذابة الجليد مع الزعيم ماوتسي تونغ ويؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين في محاولة لا تخلو من حسابات استراتيجية ولوجستية لاحتواء المد الشيوعي والخطر السوفياتي بتحالف جديد مع الصين الشيوعية... بل الارجح انه برغم كل مؤشرات التفاؤل التي ظهرعليها خطاب الرئيس اوباما فمن غير المتوقع ان يقدم في مثل هذه المرحلة على هكذا خطوة كما انه من غير المتوقع ان يقدم مبعوثه الديبلوماسي المخضرم هولبروك مهندس اتفاق دايتون للسلام في يوغسلافيا السابقة الى كل من باكستان وافغانستان على زيارة طهران خلسة تماما كما حدث مع هنري كيسنجر مستشار الامن القومي للرئيس نيكسون انذاك الذي زار الصين سرا خلال زيارة له الى باكستان تولى خلالها ترتيب زيارة الرئيس نيكسون... قد يلمس المتامل في تصريحات الرئيس الامريكي باراك اوباما سواء خلال الحملة الانتخابية او خلال حفل التنصيب تناسقا في الاراء والمواقف بما يمكن يعكس تمسكا بخط واضح وموقف يسعى لتفادي التصعيد او على الاقل القطع في هذه المرحلة مع ما تعود عليه العالم طوال السنوات الثمانية لادارة الرئيس بوش ودابه الى جانب المسؤولين الاسرائيليين على تصنيف ايران ضمن محور الشر الذي لا مجال للتسامح معه بدورها فان طهران التي ما انفكت تنعت امريكا "بالشيطان الاكبر" باتت تبدي حرصا اكبر من ذي قبل على عدم الظهور بمظهر الرافض للحوار لدى الراي العام الدولي كما بالنسبة للراي العام الايراني الذي لم يعد جانب لا يستهان به منه لا سيما الاصلاحيين وممثلي النخبة فيه يترددون في توجيه انتقاداتهم العلنية لتوجهات الرئيس الايراني المعادية للغرب.... الا ان الواضح ايضا ان هذا الحرص في شكله الرسمي ظل خاضعا لكثير من القيود والاحكام بما يجعل كل طرف ينتظر الخطوة الاولى التي يمكن للطرف المقابل اتخاذها حتى لا يعتبر في موقف ضعف او في موقف اللاهث وراء تجاوز طابع العلاقات التي هيمنت على مدى العقود الثلاث الماضية التي تلت الثورة الايرانية بكل ما تخللها من تعقيدات ومن اهتزازات بدءا بحادثة الرهائن الامريكيين المحتجزين في طهران وصولا الى فضيحة ايران غيت واستقالة نيكسون وهي محطات ساهمت في تفاقم العداء بين العملاق الامريكي وبين ايران التي لم تعد تخفي طموحاتها في المنطقة ... ما يجري اليوم من اشارات متبادلة بين امريكا وايران قد تبدو في ظاهرها اشبه بالحوار العلني ولكنه حوار غير مباشر بين كل من الرئيس الامريكي باراك اوباما والايراني احمدي نجاد وهو حوار قد يجد ما يمكن ان يدفعه الى الامام مع دخول الرئيس الاسبق الاصلاحي محمد خاتمي على خط الانتخابات الرئاسية المرتقبة الصيف القادم حتى الان ظل كل من الرئيس الامريكي والرئيس الايراني يحرص على ان يتابع العالم تلك الاشارات ومتابعة تطوراتها واستقراء ما يمكن ان تثيره من ردود فعل هنا وهناك في اطار عملية جس للنبض واختبار للنوايا قد يطول ويمتد مع امتداد مفاوضات السداسية في التوصل الى توافق بشان برنامج ايران النووي لاسيما بعد ان فاجات طهران الغرب باطلاق اول قمر صناعي من صنع محلي في الذكرى الثلاثين للثورة مع وعود بارسال اول رجل الى الفضاء بحلول 2020 خلال عقد من الزمن...