بعد صمت طويل طرح أكثر من سؤال حول مراميه وأبعاده تحرّكت روسيا ممثلة في وزير خارجيتها للبحث عن موقع في منطقة الشرق الأوسط والخروج من عزلة طوعية لا يعرف أسبابها سوى قادة الكرملين. لقد حلّ وزير الخارجية الروسي برام اللّه والتقى رئيس السلطة الفلسطينية وعقد مؤتمرا صحافيا مشتركا ليعلن تأكيد موسكو عقد مؤتمر سلام دولي حول الشرق الأوسط خلال النصف الأوّل من هذه السنة «لتحفيز المفاوضات المتعثّرة» بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. وتأتي هذه الزيارة إلى المنطقة لتصب في خانة الجهود الإقليمية والدولية لإعادة إطلاق عملية السّلام والإلتزام بخارطة الطريق التي مضت على إقرارها سنوات دون أن تعرف طريقا للتنفيذ. كما تأتي هذه الزيارة في ظلّ بوادر إيجابية لتحقيق التهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية مصرية وبدعم دولي قوي. إنّ روسيا - وريثة الاتحاد السوفياتي - كانت سبّاقة إلى مساندة القضايا العربية وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية، ولقد عبّرت في أكثر من مناسبة عن مواقف تتناقض كليا مع الإنحياز الأمريكي اللامشروط تجاه إسرائيل وسياستها العدوانية في المنطقة... ولكن هذا الدّعم وهذه المساندة قد «خبا نورهما» أثناء الحرب الإسرائيلية المدمّرة على غزّة وما تلاها من تحرّكات سياسية واختزلتها المظاهرات الشعبية الكبيرة في أغلب مدن العالم والنشاط الديبلوماسي الحثيث لأكثر من مسؤول دولي وتحرّكات المنظمات الحقوقية والإنسانية لتقديم المساعدات لسكان غزّة... إنّ الموقف الروسي الذي وصفه البعض بالمحتشم تجاه ما يجري في الشرق الأوسط ليس له من مبرّرات سوى حالة الإنكماش الديبلوماسي بالابتعاد عن التعاطي مع الملفات الدولية السّاخنة في إبّانها وهو أمر لم تستسغه أغلب الفصائل الفلسطينية وبعض الدّول العربية التي راهنت خلال الحرب على غزّة وبعدها على مواقف روسية أكثر وضوحا وجرأة تماشيا مع سياسة موسكو المنحازة - حتي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي - إلى القضايا العربية. لقد دعا سيرغي لافروف خلال هذه الزيارة للمنطقة إلى وقف العنف والنشاط الاستيطاني ومطالبة الجانبين باحترام التزاماتهما كما دعا الفلسطينيين إلى التصالح وتشكيل حكومة وحدة وطنية... وهذه الدّعوات ولئن جاءت متأخّرة فإنّها تدعم الجهود العربية والدولية المبذولة لتحقيق التهدئة واستئناف المسار التفاوضي بعد تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة.