بعد بضعة أشهر من انعقاد مؤتمر أنابوليس الدّولي حول مسألة التّسوية في الشرق الأوسط تعكف القيادة الروسية في الوقت الرّاهن على التّحضير لمؤتمر دولي بشأن هذا الملف ينتظر عقده بموسكو أواسط شهر جوان القادم. ويأتي هذا اللّقاء الدّولي لمتابعة وتطوير مبادرات اجتماع أنابوليس الذي التأم في الخريف الماضي. وخلافا للموقف السياسي الرّسمي الأمريكي الدّاعم لإسرائيل فإنّ القيادة الروسية تؤيد بشكل واضح التسوية الشرق أوسطية بناء على القرارات الأممية والإتفاقيات المبرمة بين السّلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية وتقرّ بالمبادرة العربية للتّسوية والتي اعتمدها القادة العرب في قمّة بيروت سنة 2002 وأعيد تفعيلها في القمم العربية التالية على أساس تطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل انسحاب هذه الأخيرة من الأراضي العربية التي احتلتها سنة 1967 وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ومعالجة مشكلة اللاجئين. وفي سياق الإعداد لهذا الاجتماع الدولي تأتي الزيارة المرتقبة لرئيس السّلطة الفلسطينية إلى موسكو بعد يومين لإجراء مباحثات معمّقة حول المسار التفاوضي الفلسطيني الإسرائيلي وقضية التسوية بكل أبعادها. إنّ هذا المؤتمر المرتقب يكتسي أهمية خاصّة من أجل دفع عملية السلام وذلك في ظلّ عدم امتثال إسرائيل للمطالب الدّولية من أجل الإسراع في إيجاد تسوية حول العديد من المسائل العالقة من ناحية وإصرار الولاياتالمتحدةالأمريكية على تحقيق تقدّم ملموس على مستوى المسار التفاوضي قبل نهاية السنة الجارية من ناحية أخرى. كما أنّ هذه الأهمية تتعزّز بمستوى المصداقية السياسية التي تتمتّع بها القيادة الروسية لدى الطرف العربي والفلسطيني بالخصوص نظرا لمواقفها المتزنة والرصينة حيال القضية الفلسطينية والواقعية السياسية التي تتميّز بها ديبلوماسيتها تجاه عديد الملفات الدّولية المطروحة يضاف لذلك ما انفردت به موسكو خلال الأشهر الماضية من نقد حادّ للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط والخليج وتباين واضح مع المخططات الأمريكية في المنطقة العربية وفي البلقان وحتى في البلدان الأوروبية التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي سابقا... وتداعيات الدّرع الصّاروخي الأمريكي الذي تصرّ إدارة بوش على تركيزه على مقربة من الحدود الغربية الروسية وموقف الكرملين من ذلك مازالت تتفاعل لحدّ الآن. إنّ روسيا بثقلها السياسي والعسكري والتي أرادت أن تدخل على خطّ التسوية بعد انحصارها الكبير إثر إنهيار المعسكر الشرقي قد توفّر فرصة جدّية من خلال الإجتماع الدّولي المرتقب في الصّيف القادم لدفع العملية السلمية على أسس سليمة ودعم السلطة الوطنية الفلسطينية لتمكينها من القيام بمهامها والمساعدة على تطوير مؤسساتها ورفع المعاناة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة.