آخر التقارير الاقتصادية لا تبشر خيرا وتجعل إمكانية تجاوز الأزمة المالية والاقتصادية تستغرق وقتا طويلا، فالكساد أصاب قطاعات عديدة وبالخصوص صناعة السيارات حيث سجلت الصادرات والواردات الامريكية من السيارات واجزائها ادنى مستوى لها منذ جويلية 1998فيما تتواتر أخبار نتائج الانكماش الإقتصادي في عدة بلدان فالتوقعات - مثلا - تشير إلى ارتفاع عدد العاطلين عن العمل إلى أربعة ملايين هذا العام في ألمانيا فيما تتراجع فرص إحداث مواطن شغل في القطاع الخاص بفرنسا، وفي الوقت الذي يقرر فيه رئيس الوزراء الياباني اعتماد خطة انقاذ جديدة وهي الثالثة منذ الخريف الماضي. تعلن السلطات الصينية استعدادها لإطلاق خطتها الجديدة للانقاذ إذا اقتضى الأمر ذلك.. إنها بعض أمثلة تبرز خطورة الظرف . ولا شك أن الأنظار في بقية أنحاء العالم مشدودة إلى واشنطن وغيرها من عواصم كبرى البلدان المصنعة متشوقة إلى بعض المؤشرات الاقتصادية الإيجابية ولكن لا تبدو الأرقام مشجعة أو تدعو إلى التفاؤل بخصوص تجاوز الأزمة التي قد تستغرق أشهرا طويلة وربما بضع سنوات وبالتالي يتعين النظر إلى هذه الأزمة العالمية من زاوية أخرى فالنتائج والتأثيرات واضحة من خلال الأرقام والمعاناة الاجتماعية لدى قطاعات كبيرة ممن تم تسريحهم من مئات الشركات في العالم غير أنه يخشى أن تكون كيفية الخروج من الأزمة ليست بدافع إقتصادي بحت. لقد اعتاد المراقبون في سياق الأزمات الاقتصادية وتحديدا بالنسبة للاقتصاد الأمريكي أن يروا في شركات تصنيع السلاح قاطرة لتنشيط الاقتصاد حيث تصبح العملية الانتاجية متكاملة الأبعاد فتضطر الحكومة الأمريكية إلى البحث عن إمكانية تسويق الأسلحة بما يعني إيجاد مناطق توتر وشن حروب مباشرة أو بالوكالة. فالسياسة المعلنة للادارة الأمريكية الحالية ربما لن تختلف كثيرا عن سياسة الإدارة السابقة بل إن تأييدها إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة إيقاف ضد الرئيس السوداني وتمديدها في العقوبات المفروضة على إيران رغم التصريحات المؤيدة لفتح قنوات حوار معها والتأكيد على مواصلة الحرب ضد الإرهاب في أفغانستان تعتبر مؤشرات على أن إدارة أوباما لن تتردد في استخدام القوة تحت أية تعلة كانت وبما يمكن أبرز الشركات الأمريكية من تجاوز أزمتها. لذلك لا بد من معالجة الأزمة وانعكاساتها على صعيد متعدد الأطراف بعيدا عن الأنانية التي عادة ما تصبغ سياسات الدول الكبرى بتعمد إهمال مصالح البلدان الصاعدة أو النامية وفي سياق تضامني بحت بما يكفل للمجتمع الدولي أسباب الاستقرار والتفرغ للتنمية والإنتاج ومجابهة القضايا الدولية العديدة مثل الملفات البيئية والأوبئة وغيرها من التحديات التي تواجه البشرية على الصعيد العاجل أو الآجل. لقد كانت الأزمات الاقتصادية في القرن الماضي تفرز حروبا إقليمية أو عالمية أودت بحياة ملايين الأشخاص كما أن خطط إعادة البناء في أعقابها كانت على كاهل ضحايا تلك الحروب ولذلك لا بد من العودة إلى نزعة أخلاقية طالما تم إبعادها عن صلب العلاقات الدولية، فلا بد من احترام حق الشعوب في العيش في أمن وسلام وتوفير متطلبات العيش الكريم لها حتى يتم إقصاء دوافع تكمن وراء ظاهرة الإرهاب وغيرها من الظواهر مثل الإجرام والهجرة السرية.