كثيرة هي الاسباب التي من شأنها ان تجعل احياء ذكرى اعلان الجمهورية اليوم حدثا خاصا في الذاكرة التونسية، فقد كان هذا الحدث ولا يزال منذ اعلانه اول مرة في قصر المجلس القومي التأسيسي بباردو قبل خمسين عاما جسرا للتواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل.. ولعل في هذا ما يدعو اكثر من أي وقت مضى الى تعزيز الشعور الوطني واسباب الغيرة والالتفاف والانتماء لدى مختلف الاجيال الناشئة لهذا الوطن، بما يجعلها اكثر تمسكا بمختلف المكاسب التي تحققت له على مدى العقود الماضية والحرص على تعزيزها وتطويرها.. وبما يساهم ايضا في إرساء العدالة وترسيخ دولة القانون ويوفر كل اسباب الحصانة المطلوبة في مواجهة مختلف انواع التحديات والمخاطر في الداخل والخارج في ظل التطورات المتسارعة والخطيرة على الساحة الدولية... ومن هذا المنطلق لم يكن اعلان الجمهورية صدفة، ولم يكن ايضا حدثا عرضيا وقد جاء بعد تقليص سلطات الباي والحد من امتيازات العائلة الحسينية قبل الوصول الى إلغاء الملكية... صحيح ان اعلان الجمهورية جاء ليترجم رغبة التونسيين بعد سنة واحدة من اعلان الاستقلال في استكمال اسباب السيادة وإلغاء الملكية المتوارثة ووضع حد لتفرد العائلة الحسينية بالحكم على مدى قرنين ونصف.. لكنه وهذا الاهم جاء ليؤكد الخيار في تجسيد الحلم الذي طالما انتظره التونسيون لاعلان سلطة الشعب وسيادته بكل ما يمكن ان تتضمنه عبارة اعلان الجمهورية من قيم سامية ومبادئ مقدسة لدى مختلف الشعوب الراقية، كشرط من شروط الديموقراطية والحرية وتحقيق التقدم والرقي في مختلف المجالات وبما يجنب الدولة الحديثة الاستقلال آنذاك الوقوع تحت كل انواع الوصاية المقنعة.... لقد شكل اعلان الجمهورية في مثل هذا اليوم فصلا اساسيا من تاريخ تونس الحديث ومحطة سياسية مصيرية سجلت تتويجا لتضحيات ونضالات اجيال متعاقبة من المناضلين والاصلاحيين والزعماء الذين تركوا بصمات واضحة في مسيرة تونس.. ممن اصروا بعد كسب المعركة الاولى ضد الاحتلال الفرنسي على مواصلة المسيرة السياسية التي تمثلت في إلغاء الملكية واعلان النظام الجمهوري بعد فترة وجيزة لتكون بذلك تونس اول جمهورية تعلن في شمال افريقيا لتبدأ بعد ذلك مرحلة تونسة مختلف دواليب الدولة ومؤسساتها السياسية والاقتصادية، تجسيدا لما اقره الفصل الثالث من دستور البلاد من ان الشعب التونسي هو صاحب السيادة وهو ايضا ما اقره بيان السابع من نوفمبر عندما اقر الرئيس زين العابدين بن علي «بان استقلال بلادنا وسلامة ترابنا ومناعة وطننا وتقدم شعبنا هي مسؤولية كل التونسيين وحب الوطن والذود عنه والرفع من شانه واجب مقدّس على كل مواطن»...