يبدو أن السجال حول حق الإعلام الوطني في الحصول على المعلومة، سواء في الصحافة المكتوبة أو المرئية، لن يغلق بشكل نهائي، طالما أن ثمة من يعطّل هذا المسعى الذي يعدّ احدى أبجديات المهام الموكولة للإعلام والإعلاميين.. ولعل آخر المستجدات في هذا السياق، قرار الجامعة التونسية لكرة القدم في اجتماعها الأخير، بمقاطعة قناة حنبعل، على خلفية النقاش الذي طرحته القناة بخصوص حرمان الصحفيين والقنوات التلفزيونية من المعلومات، أو من التصوير أو من الحصول على تصريحات صحفية، أو الحيلولة دون حضور مسؤول من الجامعة في أي من البرامج الرياضية للقناة.. وإذا كانت قناة حنبعل، وبرنامج "بالمكشوف" بالذات الذي طرح الموضوع، قد أشار إلى هذه الهنّات التي ترتقي إلى مستوى "التجاوزات" في حق الإعلام، فلم يكن المقصود في تقديرنا الجامعة التونسية لكرة القدم بوصفها مؤسسة عمومية، وهيكل رياضي يهتم به آلاف بل ملايين الناس من المتتبعين لرياضة كرة القدم، والذين تعنيهم قرارات الجامعة وتحركاتها ووجهة نظرها في كل ما يتعلق برياضة كرة القدم، إنما كان الهدف من وراء ذلك بالأساس، بعض وجهات النظر و"الاجتهادات" صلب الجامعة، وهذا من مسؤولية الإعلام ومن طبيعة مهمته، وهو ما بدا جليا في برنامج "بالمكشوف" الذي كرر مقدمه، الزميل عادل بوهلال، دعوة رئيس الجامعة، إلى الحضور للقناة للإدلاء بدلوه والتعبير عن وجهة نظره في كل ما يتردد حول الجامعة وما يجري فيها.. غير أن الردّ على هذه الدعوة، وذلك النقاش فيما يتعلق بالحق في الإعلام، جاء مثيرا للانتباه، باعتبار أن الجامعة قررت "مقاطعة" القناة، وعدم حضور أي من برامجها الرياضية.. ليس هذا فحسب، بل إن بعض أعضاء الجامعة دعوا في اجتماعهم الأخير، إلى "حملة تضامنية" مع رئيس الجامعة، السيد كمال بن عمر، ومع العضو المكلف بالإشهار، السيد خليل الشايبي، معتبرين أن تلك الملاحظات النقدية التي تم التعبير عنها في برنامج بالمكشوف، تدخل ضمن "تصفية حسابات" مع بعض أعضاء الجامعة.. وهنا يكمن الخطر الحقيقي فعلا.. إذ كيف يمكن لقناة أن تصفي حسابا مع عضو جامعي؟ وكيف يمكن لصحفيين من مهمتهم إنارة الرأي العام، وتقديم المعلومة أو توجيه ملاحظة نقدية لهذا الطرف أو ذاك، أن يصنفوا ضمن خانة "تصفية حسابات" ؟ لا يبدو على حدّ علمنا أن إعلامنا تحول إلى "لوبي" نشيط صلب الجامعة على النحو الموجود في أمريكا وإسرائيل وعديد العواصم الغربية؟ إن هذه اللغة المستوردة من حقب زمنية وسياسية وإعلامية موغلة في القدم، تعني فيما تعنيه، أن بعض المسؤولين سواء في القطاع الرياضي، أو في بعض القطاعات الأخرى، يحرصون على التعامل مع الإعلام وكأنه "شأن خاص"، من غير الممكن الإطلاع على ما يجري فيه، فيما أن المسألة مرتبطة بمؤسسات وطنية، ومن حق الرأي العام التونسي، سواء كان رياضيا أو غيره معرفة ما يدور فيها وما يتداول في كواليسها، على اعتبار أن ذلك ليس شأنا سريا، وليس أمرا من الأمور التي تهدد استمرار هذه المؤسسات، وكان يفترض التعامل مع الإعلام بقدر عال من الشفافية، لأنه الأداة التي تصل هذه المؤسسات بالرأي العام الوطني، وهي الإطار الذي يحتضن جميع الآراء والمقاربات، ويستوعب الرأي والرأي الآخر، ويعكسه بصورة شفافة للمتابعين للشأن الوطني في حلقاته المختلفة، سواء الرياضية منها أو غيرها.. الغريب في الأمر في هذا السياق، أن وزير الشباب والرياضة، الدكتور سمير العبيدي، كان قد طالب المسؤولين على الجامعات في وقت سابق، بالانفتاح على الإعلام، ليقينه بأن العجلة لا يمكن أن تدور بالشكل الجيّد إلا بواسطة الإعلام بدوائره المختلفة.. والحقيقة، أن بعض أعضاء الجامعة، انتبهوا لهذا الأمر، حيث أعرب عدد منهم في الاجتماع الأخير للجامعة، عن عدم استساغتهم لقرار المقاطعة، بل رفضوا "الانصياع" إليه، وهذا ما يحسب لهم.. لقد بات مطروحا على جميع من يتقلد مسؤولية رياضية، الاقتناع بأنه يجلس على مؤسسة قابلة للمساءلة من قبل الوسط الإعلامي، والمساءلة لا تعني هنا المحاسبة، لأن الإعلام ليس سلطة قضائية، لكن الأمر يرتبط بمساءلة من أجل تنوير الرأي العام، وكشف ما يعتبره البعض "مستورا" وينبغي أن يظل مستورا طالما أنهم على رأس هذه المؤسسات الرياضية.. ولا شك أن تبني سياسة المكاشفة والانفتاح على الإعلام، لهو خير ألف مرة من تلك اللقطات التي تمنع هذه الكاميرا أو تلك من التصوير، أو تحول دون توصل هذا الصحفي أو ذاك إلى المعلومة، أو منع أي من أعضاء الجامعة أو المسؤولين من التحدث إلى الإعلام وبخاصة إذا ما كانت فضائيات ومؤسسات وطنية..