كانت العائلة التونسية في الماضي القريب تقيم في منزل واحد، كان يستوعب بين جدرانه في البداية الوالدين والأبناء والبنات ثمّ بعد زواج الذرّية تخرج منه البنات المتزوّجات ويمكث فيه الأب مع الأمّ والأبناء المتزوّجون , و يصبح المنزل يضمّ أربع أو خمس عائلات يعيش أفرادها في كنف التّضامن والتّعاون والتّشاور والحوار اليومي ومَعًا في السّرّاء والضرّاء. وهذا التلاحم العائلي كان محلّ غِبطة وحسد العائلات الأوروبية المتفكّكة المتصدّعة المستقلّة عن بعضها كلّما حضرت بعض مناسباتنا. أمّا اليوم فقد تحسّن مستوى دخل التونسي فسعى بكلّ الطّرق للحصول على منزل - و هذا من حقّه أن يرنو وأن يطمح إلى ذلك - وفعلا أصبح 80% العائلات التونسية تملك مساكن خاصة , و هذا التطوّر جلب معه استقلال العائلات والابتعاد عن مسكن العائلة الأصلي الذي أصبح لا يضمّ إلاّ الوالدين ومعهما أحيانا الابن الأصغر إذا اقتضت الضرورة ذلك ورضيت زوجته بالسّكن مع الحماة . هذا التطوّر أتى وفي طيّاته نقاط إيجابية لا ننكرها: الاستقلال , فرحة الحياة (ليست دائما وأبدا طبعا) الابتعاد عن القيل والقال والاتصال المباشر اليومي مع أفراد العائلة لما فيه من إحراج... نقاط سلبية نذكر البعض منها: التحاسد, التباغض، التنافس, التنافر، انعدام الحوار، قلّة التزاور، الانطواء، التقوقع... ولم نعد نر تجمّع العائلة إلا في المناسبات القليلة التي توفّرها الأفراح أو المآتم أو الأعياد ولا ننسى كذلك أنّ نسق الحياة والضغط اليومي زاد في الطّين بلّة. وهذه الوضعية السّيّئة تنسحب كذلك على الجيران اليوم الذين كانوا بالأمس يتعايشون متحابين متعاونين متآنسين في الأفراح والأتراح وابسط مناسبة تجمع شملهم. وإذا طرحت هذا الطّرح فلا يعني أنّه يشمل كلّ النّاس فهناك عائلات وجيران مازالت تسود علاقاتهم المحبّة والوفاق والوئام فهنيئا لهم وكثّر الله من أمثالهم.