والد الحارق حمزة اللواتي: «تلقّيت الخبر بمرارة وأخشى أن يعود ابني في صندوق» تونس الصباح في الوقت الذي نخشى فيه على ابنائنا ممن تغريهم اوهام الهجرة غير الشرعية التي كثيرا ما انتهت بآلام تسببها القوارب التي تعجل بالقرب من الشقاء اكثر من وهْم الثروة، فان البعض من رياضيي النخب التونسية يستغلون التواجد ضمن الوفود الرسمية في التظاهرات الدولية للهروب او "الحرقان"، كما اصطلح الامر عند اهل الاختصاص الذين يرون في "الحرقان الرياضي" شكلا من اشكال تقنين الحرقان باعتبار ان الامر لا يحتاج الى رحلة بحرية، بل ان الحارق يسافر وعلى جوازه التأشيرة القانونية والمسألة التي خلنا المهتمين بشؤون نخبنا قد قضوا عليها بلا رجعة عادت لتفرض نفسها على سطح الاحداث خلال مشاركتنا في العاب بيسكارا حيث ارتفع عدد الحارقين الى اربعة والرقم اذا لا يعتبره المراقبون مخيفا بالمقارنة مع ما تسجله بلدان اخرى فان كل فرد من افراد الشعب التونسي له معيار من الذهب في بلد يستثمر في راس المال البشري بالاساس. واول الحارقين من الوفد التونسي كان الرباع حمدي دغمان الذي آثر الهروب على تمثيل الراية الوطنية بمجرد وصوله الى ايطاليا ثم التحق به كل من الدراج حسن بن نصر والعداء رمزي العباسي والمصارع حمزة اللواتي.. وكل هؤلاء يمثلون الاستثناء حتى لا نتحدث عن الشاذ الذي يحفظ ولا يقاس عليه. و"الحرقان" هو في الواقع ليس جديدا لكن عودته القوية نسبيا تحتم علينا فتح الملف بحثا عن سبل القضاء عن دابره. ويؤكد اهل الاختصاص في علم النفس ان الظاهرة تجر إليها الاوضاع الاجتماعية بالاساس كما لا يمكن ان نغفل عن مسالة تاطير النخب لا فنيا فحسب بل اجتماعيا ونفسانيا بالاساس فالارقام تدل على ان الحارقين ينحدر جلهم من أسر فقيرة بالاضافة إلى معاناتهم من التهميش داخل أنديتهم وكثرة الوعود التي تبقى حبرا على ورق فأهل الاختصاص في علم الاجتماع وفي قضايا الشباب والهجرة بالدرجة الاولى يعتبرون "ظاهرة هروب اللاعبين" شكلا من أشكال الهجرة السرية (غير الشرعية) نتيجة الظروف المعيشية الصعبة لكنها تصبح أكثر رمزية لشهرة الرياضي ونجوميته. واذا بقي الامر في غالب الاحيان حكرا على ممارسي الالعاب الفردية فان "الظروف الاجتماعية المزرية التي يعيشها رياضيو الالعاب الفردية هي السبب الاساسي في هروبهم الى البلدان الغربية."على عكس لاعبي كرة القدم الذين أمامهم مجال فسيح لاستثمار نجوميتهم في تونس بالذات بل ان هجرتهم ميسرة ولها ابواب مقننة ليكونوا محل ترحاب الى حد التبجيل أحيانا في مقاصد الهجرة. وإذا عدنا إلى الوراء فإننا نسجل في دورة سيدناي الاولمبية التي تمت سنة 2000 اختفاء أربعة رياضيين تونسيين كما فر ثلاثة أبرزهم الملاكم نوفل بالرابح ومعه كمال شاطر علما ان الاول هو حاليا في تونس وضمن لنفسه التالق الذي اراده رياضيا بالخصوص في استراليا. من انفلوانزا الخنازير إلى «الحرقان» وإذا كانت انفلوانزا الخنازير هي حديث الشارع التونسي فان "الحرقة" حلت محله منذ تأكيد هروب الرباعي التونسي في بيسكارا الذي فتح له الباب الرباع حمدي دغمان. "الصباح" فتحت ملف الحارقين لتقف عند مدى إحكام تاطير الرياضيين التونسيين من النخب في مراكز الاقامة التي لا يمكن ان تبقى مراقد بقدر ما نريدها مراصد لكل كبيرة وصغيرة يمكن استثمارها حتى نزيد في جودة الانتاج. أين التدقيق في أدق الدقائق؟ إن الرياضي في حاجة إلى معرفة ادق خصائصه لان علم النفس الرياضي يؤكد بما لا مجال للشك فيه ان الجسم لا يمكن أن يؤدي الادوار المطلوبة منه إلا في حضور إعداد ذهني جيد ولاسبيل لترك اية جزئية للصدفة ونحن في مراكز إقامة النخب الرياضية التونسية او في فضاءات التدريب لا نعول على أهل الاختصاص في علم النفس الرياضي بقدر ما نلجأ إلى خريجي كليات غير معاهد الرياضة والتربية البدنية والامر قد تكون له مبرراته المنطقية لكن ان نعتقد ان الظرف يحتم الاصلاح وانا واحد من خريجي احد هذه المعاهد لم أجد ما يجعلنا نطمئن على تكوين أخصائيين في علم النفس الرياضي فالمادة درسناها في حصة لا تتجاوز الساعتين والحال أن الامر يتعلق بماجستير.. واعتقد انه آن الاوان لاحداث شعبة مستقلة بذاتها في علم النفس الرياضي الذي يدرس إلى حد الآن بشكل عام وغير معمق وفي إطار علوم التدخل في المجال الرياضي بالنسبة للماجستير. وحول كيفية تاطير النخب في مراكز الاقامة يؤكد السيد المنصف شلغاف مدير النخبة بوزارة الشباب والرياضة والتربية البدنية أن التجربة انطلقت منذ الألعاب المتوسطية لسنة 2001 حيث تم اللجوء إلى خبيرة من الخارج في التاطير النفساني وتمت التجربة بنجاح قبل ايلاء الموضوع المزيد من الاهتمام لتتكفل به مجموعة تضم 6 مختصين في علم النفس....وهنا قاطعنا محدثنا لنسال ان كان هؤلاء من ذوي الاختصاص في علم النفس الرياضي فأكد أن التخصص وفرته لهم سلطة الاشراف من خلال حلقات التكوين. وسألنا السيد شلغاف لماذا لا يفرد علم النفس الرياضي بشعبة مستقلة في معاهدنا المختصة؟ فاكد ان المشروع جيد والفكرة قابلة للانجاز ما دامت الفائدة المرجوة ستحصل للرياضة التونسية. 6 مؤطرين.. والاستثناء لبرج السدرية وزدنا في السؤال لنصل الى عدد المؤطرين الذي يقف في حدود 6 فقط وهو ما نعتقد انه غير كاف لضمان التاطير الجيد؟ هنا اكد محدثنا ان السداسي المتحدث عنه بصدد تاطير 30 رياضيا تم اختيارهم كنواة أولى سنشرع في إعدادها للألعاب الاولمبية وبما ان العدد سيتقلص فان عدد المؤطرين يصبح كافيا ولو اننا نريد مضاعفة عدد المتخرجين في اختصاص علم النفس الرياضي حتى يتم توظيفهم في الفرق التونسية المطالبة بايلاء التاطير النفساني ما يستحق من الاهتمام.. قبل ان يضيف: لابد من الاشارة إلى مركز إقامة النخب ببرج السدرية حيث تتوفر كل ظروف الاحاطة لتصل دروس التدارك بالنسبة للتلاميذ. وكان علينا ان نقف عند ردود فعل أهل الجامعات الرياضية المعنية إزاء هؤلاء الحارقين ليؤكد السيد نور الدين السليني رئيس الجامعة التونسية للمصارعة انه تم إشعار الجهات المختصة في محاولة للكشف عن مكان الحارق لعله يعود إلى تونس ضمن الوفد حتى نقيه عواقب "الحرقة" فيما أكد والد المصارع الحارق حمزة اللواتي انه شعر بالمرارة لما بلغه الخبر وأصبح تفكيره منشغلا بمشهد لا يتمناه لابنه وهو صندوق الموت الذي كثيرا ما كان مصير "الحارقين". حارق حتى من المدرسة أما المدرب منصور الدويسي الذي كان أول من تعهد حمزة اللواتي ضمن فريق زاوية مرناق فذكر لنا أن ان حمزة كان يفضل منذ الصغر الهروب حتى من المدرسة مما جعله لا يرتقي درجات تماما مثل الدراج حسن بن نصر وإذا حاولنا الاتصال بالسيد جمال الوافي ببيسكارا عن طريق هاتفه المحمول فان كل محاولاتنا باءت بالفشل رغم أن الهاتف كان في وضع استخدام رغم أننا حاولنا اشعار السيد الوافي بهوية مخاطبه عن طريق احد زملائه في المكتب الجامعي. وما لاح جليا ان الجامعة ما كان بامكانها ادراج هذا الدراج ضمن المنتخب بعد ان كان محل عقوبة بسنة بل ان رئيس احد وفودنا إلى المغرب حرر في شانه تقريرا طويلا جدا وطالب بإبعاده نهائيا من حضيرة المنتخب الا انه عاد والعودة استغربها حتى من له أولوية السهر على المنتخبات بوزارة الشباب والرياضة والتربية البدنية ليبحر هذا الدراج في مشاكل يجوز القول انه تم إبحاره فيها بعد ان كان ينعم بهواء البحر الازرق حيث يقيم بتونس. قرار غير صائب يشكل المصيبة كما سعينا إلى البحث عن مقر إقامة العداء الحارق رمزي العباسي إلا أن أهل جامعة العاب القوى أكدوا لنا أن أهله كانوا يعتبرون رمزي من الرموز إلا أن حرقته حرقتهم وهم يحجمون عن أي حديث قد يزيد في اللوعة فقد كان يمثل الامل والنور الذي سيضيء. العلاج و إذا أردنا معالجة هذه الظاهرة التي عادت لتدق أبواب نخبنا من جديد علينا بمعالجة أسبابها خاصة الظروف الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية. فالظاهرة نمت بشكل مطّرد منذ سنة 1990 عندما ظهر فضاء "شانغان" وأصبحت "الفيزا" مفروضة ولم تعد الطريقة الوحيدة للوصول إلى أقرب نقطة في أوروبا سوى "الحرقان".