تونس الصباح عاش مهرجان قرطاج الدولي خلال دورته الجارية ليالي مشهودة مع وردة وباتريسيا كاس وشارل آزنافور ونجوم ''روتانا'' وملحم بركات وغيرهم.. ولكن سهرة الشاب خالد كانت إذا جاز لنا الوصف أكثر من مشهودة. غريب أمر هذا الفنان الذي نتصور في كل مرة أن نجمه في طريق الزوال، فإذا بنا نراه ينبعث على الركح كتلة ملتهبة وطاقة هادرة وحنجرة عالية وقدرة كبيرة على الحركة والتعامل مع الجمهور وإذا بالجماهير عن بكرة أبيها شبابا وكهولا وحتى من تقدم به الزمن أشواطا توحد بينها نشوة الحضور في الليلة الاستثنائية.. هبت الجماهير بأعداد غفيرة ليلة الاحد إلى مسرح قرطاج الاثري وعاشت لحظات من الانسجام مع هذا النجم حد النخاع. بضع دقائق بعد انطلاق العرض وإذا بالناس - الجميع تقريبا - تقف متراقصة متمايلة والاكف ملتهبة والاذرع ترتفع في مشهد يكاد يكون سرياليا. الجمهور على مقربة من الهستيريا رافقت عاصفة من التصفيق والهتاف دخول الشاب خالد على الركح تمام العاشرة ليلا. كانت الجماهير التي تراصت على المدارج وعلى الكراسي منذ ساعات قد قامت بكل ما يلزم من تسخينات للسهرة وبمجرد استماعها للجمل الموسيقية الاولى أطلقت العنان للجسد وأعلنت عن رغبتها في ألا تكتفي ليلتها بدور المتفرج. سبقت مقدمة موسيقية طويلة نسبيا ظهور الشاب خالد الذي تبين بوضوح حرصه على أن يكون في مستوى ما عرف به من تطويره لموسيقى ''الراي''. فقد كان من بين الاوائل إن لم يكن الاول في إدخال آلات غربية على موسيقى ''الراي'' على غرار القيثارة والكنترباص والساكسوفون . لقد فعلت آلات على غرار الساكسو والباتري والكمان فعلها ليلة الاحد بقرطاج في الجمهور حتى أننا خلنا أنفسنا في لحظات من العرض وكأننا في حضرة أحد أساطير ''الجاز'' العالميين مثلا أو غيرهم من كبار الموسيقيين في هذا العصر. كان الشاب خالد يتصرف بحرفية كاملة واعيا بمكانته عند الجمهور يخاطبه ويحييه ويبارك هذا الحضور العارم. لم تبد عليه أية علامة من علامات الاضطراب عندما سخن في احدى اللحظات الجوّ ربما أكثر من اللازم وحاول جانب من المتفرجين غزو الركح. واصل عرضه في رباطة جأش واضحة تماما كما يفعل النجوم الكبار. جزء كبير من الجمهور تكوّن من الجزائريين الذين رفعوا أعلام الجزائر في حين التحف الشاب خالد بالعلم التونسي قبل أن يلبس العلم للميكروفون بقية السهرة. كانت الاجواء حماسية جدا والناس أغلبها على مقربة من الهستيريا لكن الشاب خالد لم يكن مجرد فنان يعمل على تهييج أعصاب الجمهور بل كان وكما كنا ننتظر فنانا متكاملا. فبالاضافة إلى الحيوية العارمة وإلى الحرفية الواضحة في التعامل مع الجمهور يبقى الشاب خالد من الفنانين الكبار الذين يتمتعون بحنجرة قادرة على التبليغ وصوت يلونه كيفما يشاء. الاجواء على الركح كانت احتفالية جدا خاصة أن العازفين يشاركون في التنشيط بالرقص والحركة ويتواصلون مع نجم السهرة ومع الجمهور كما هو معمول به عند نجوم الفن في العالم. ليس قبل أداء أغنية ''عايشة'' أدى الشاب خالد في البداية أغاني مختارة من مجموع ألبوماته ''وهران'' و''صحراء'' و''كنزة'' و''خالد'' و''صلّوا على النبي'' وغيرها ولم يعمد إلى تأدية أغانيه التي اشتهر بها أكثر من غيرها إلا مع اقتراب السهرة من نهايتها فكانت على التوالي: ''ياشابة'' ثم ''ديدي'' التي كانت أغنية الحظ بامتياز وأطلقته كنجم خارج حدود الجزائر ثم ''عبد القادر'' الشهيرة جدا وأصر الجمهور على عودته إلى الركح بعد أن غادره وفرقته ولم يطلق له حريته إلا عندما أدى أغنية ''عايشة'' التي غناها الحضور كلمة كلمة قبل أن يأخذ الشاب خالد بزمام الامور. كان ذلك بعد حوالي ساعتين منذ انطلاق العرض كان فيها مفعول الشاب خالد في الجمهور كمفعول الكهرباء الذي يسري في الجسد. وقد تحدث إلى الاعلاميين قبل العرض وأكد أنه ملتزم في عمله بالمقاييس العالمية وأنه لا يلتزم ببرنامج بعينه بقدر ما يلتزم بتهيئة فرقته على عزف أية أغنية ممكنة من رصيده. وإن كان الشاب خالد لا يحتاج اليوم إلى التعريف فإنه قد ينبغي الاشارة إلى أنه ذلك الفنان الذي تمكن بلون موسيقي محلي من تجاوز حدود الجزائر إلى المنطقة المغاربية ثم أوروبا وهو حاليا نجم عالمي. مع العلم أن الشاب خالد من بين الفنانين الذين تلاحق الصحافة أخبارهم بفضول كبير لاسيما ما يتعلق منها بحياته الخاصة وهي لا تخلو من بعض ''البهارات'' التي يبحث عنها أصحاب الفضول.