تونس الصباح سجل يوم 30 افريل الماضي حضوره بقوة في ذاكرة المواطن التونسي لانه تعلق بتاريخ انتشار اشاعة خطف الاطفال من قبل مجموعة اجرامية للمتاجرة باعضاء البشر. تسربت الاشاعة عبر المنتدى الاجتماعي «الفايس بوك» بشكل اثار فزع الكثير من الاولياء الذين اعتبروه في البداية من ترهات «كذبة افريل» الا ان تناقل «الفايس بوك» الاشاعة بدوره..فجر الوضع لتصبح قضية «رأي عام» استوجبت تدخل السلطات لنفي الخبر الذي احتمل قراءات مغلوطة. آراء كثيرة حامت حول هذه القضية التي احيلت على المحكمة «السابقة القضائية» ردود تراوحت بين المعترض على القرار والمؤيد بما يفتح المجال لنقاشات كبرى حول ماهية الجريمة الالكترونية وتصنيفاتها بعد الطفرة التكنولوجية التي واكبناها في السنوات الاخيرة من وسائل الاتصال والمعلومات عالية المستوى وما اوجدته من استعمالات مخلة ارتقت الى مستوى الجريمة المنظمة. ابتكار مجالات جديدة للجريمة لا تختلف الجريمة الالكترونية عن انواع الجرائم الاخرى الا على مستوى الوسيلة باعتبارها تعتمد اساسا على تكنولوجيات المعلومات التي تتوفر للمستخدم من الانترنات ووسائل الاتصال. ورغم حدة الضرر الذي تلحقه هذه الجرائم بضحاياها الا ان ضرر الجرائم الاخرى مثل القتل تظل بدون منازع اكثر حدة لانها تلازم الانسان في الزمان والمكان. فراغ قانوني؟ يعتبر الاستاذ مبروك المدوري المحامي بانه يتم تصنيف الجريمة على انها جريمة الكترونية عندما يتوفر لنا مصدر تشريعي تونسي يجرم تلك الافعال تجريما صريحا. لذلك فكلما وجدت اساءة بالعمد باستعمال وسائل الاتصال يتم الالتجاء الى النص القانوني عدد 80 من مجلة الاتصالات وكلما وجدت جريمة بواسطة احدى وسائل الاتصال تعتبر جريمة الكترونية لذلك فان لكل جريمة خصوصيتها فجريمة «إشاعة خطف الاطفال» تتوفر فيها شروط الجريمة الالكترونية لكنها خضعت الى مساءلة الفصل 99 من مجلة الصحافة بتهمة نشر اشاعة زائفة ولنا ان نضرب مثالا آخر حيث تم الاستنجاد بقانون حماية المستهلك في قضية مجموعة من اصحاب محلات اصلاح الهواتف الجوالة الذين قاموا بتغيير الرقم التسلسلي للهواتف لتوجه لهم تهمة مسك آلات من شأنها تغيير منتوج باعتبار ان هذه العملية حالت دون مراقبة الخطوط الهاتفية. أنواع جديدة في الجريمة وحسب نص الخبراء لم تقتصر الجرائم الالكترونية على اشكال دون غيرها حيث اوجد مستخدموها اشكالا جديدة تتماشى والظرف العام وتتأقلم مع المستجدات العالمية ليتم التخلي نوعا ما عن الاشكال الكلاسيكية للاجرام الالكتروني مثل السطو على معلومات المؤسسات وتخريب منظومتها الامنية لتترك المجال لبروز الجرائم الاخلاقية مثل الاختطاف والابتزاز والاساءة للغير والتي اصبحت تستهوي الكثير لانها فسحت المجال لتسوية الحسابات. ويبدو ان الاهتمام المبالغ فيه بهذه النوعية من الجرائم يسلط الضوء على وجود خلل داخل المجتمع التونسي الذي اصبح مهوسا بهذه الهواية من اجل ملء وقت الفراغ. كما سهل النفاذ لوسائل الاتصالات على غرار الانترنات التي بلغ عدد مستخدميها 2960.000 الى افريل 2009 من وجودها لدى اغلب الفئات الاجتماعية سواء العارفة بخطورة الوسائل التي بحوزتها او الجاهلة لعواقب استخداماتها الخاطئة. المراودة الجنسية ويمكن تصنيف الجريمة الالكترونية حسب مستوى اهتمامات المستخدم وعموما يرتكز اهتمام المواطن العربي على اصطياد فرص للتشفي من الغير وهتك اعراض الناس فقضية مصنع الخياطة بمدينة قليبية لا تزال عالقة في الاذهان حيث تجرأ صاحب المصنع الاجنبي الجنسية من مراودة الفتيات العاملات لديه وتوثيق لحظة بلحظة كل العلاقات الحميمية التي جمعته بهن عبر كاميرا فيديو تم توزيعها في شكل اقراص مضغوطة لدى الاهالي. الاعتداء على الأخلاق عبر «البلوتوث» ويعتبر الهاتف الجوال بدون منازع «زعيم الجرائم الالكترونية» لكونه اصبح في متناول الجميع مما سهل على الفئة المهووسة بالحاق الضرر بالناس من تنفيذ برامجها الابتزازية بترويج مشاهد وارساليات منافية للاخلاق عن طريق «البلوتوث» لكل شخص يهمه امر الضحية. فكم من زيجة دمرت وابرياء ادينوا باطلا بسبب جرائم «الهاتف الجوال» هذه. ومن بين عينات سلسلة الجرائم الاخلاقية التي تصدرت ركن القضايا في الجرائم اليومية ترويج احد الازواج لصور ليلة «الدخلة» عبر الهاتف وبعد تراكم المشاكل انتهت العلاقة بالطلاق ويبدو ان مساعي الزوج الفاشلة في ارجاع المياه لمجاريها دفعت به للانتقام من طليقته وذلك بتوزيع التسجيل على المقربين والاصدقاء. الصور.. ليست «حجة» ادانة يشرح المحامي مبروك المدوري بان عملية تهديد المرأة بفحوى الارساليات والصور التي بينت على اساس اتفاق بين الطرفين لا يدين المرأة باي حال لانه تم الموافقة ضمن العلاقة التي جمعتهما على تبادل هذه المعطيات في نطاق شخصهما ولا ان تبلغ الآخرين قصد التشهير. يتم اثبات فحوى الارسالية عن طريق عدل اشهاد قصد معاينة ما تضمنه حرفيا ثم يتم الالتجاء الى الشركة المزودة لاثبات عملية ارسال الارسالية من الرقم المزعوم في ذلك التاريخ لتثبت على الجاني تهمة التهديد واساءة السمعة. فتكون المرأة الضحية المستهدفة لهؤلاء المجرمين لانها تمثل المادة الاولى لهذه العمليات لانها لا تتمتع بالجرأة الكافية للابلاغ عن التهديد الذي تتعرض له من طرف احد الانذال الذي يستعمل ظرفا معينا سواء علاقة سابقة فاشلة او رفض الارتباط به ليضغط عليها ويسقطها في سجن التهديد. لان المرأة تعيش في عالم مليء بالقيود الاجتماعية التي تدين تصرفاتها وتحملها تأويلات تخرج عن طاقة استيعابها فمن ينقذ المرأة من هذه الهجمة في ظل امكانية اقامة الحد ضدها بتهمة الزنا باعتبار ان الارسالية او الصورة تمثل دليلا قانونيا رعم ان امكانية ادخال تعديلات على محتواه واردة. ماهو رأي القانون في المعطيات الشخصية؟ ويعرف قانون مجلة الاتصالات المعطيات الشخصية كل بيانات مهما كان مصدرها او شكلها والتي تجعل شخصا طبيعيا معرفا او قابلا للتعريف بطريقة مباشرة او غير مباشرة باستثناء المعلومات المتصلة بالحياة العامة. بمعنى ان المعطيات الشخصية ملك صاحبها ولا يحق لاي شخص التصرف فيها او استخدامها دون موافقته وبتجاوز هذه العناصر يتعرض الفاعل الى عقوبة سجن مدة عام وبخطية 5 آلاف دينار كل من تعمد احالة معطيات شخصية سواء لتحقيق منفعة شخصية او الحاق الضرر بالغير. حرمة شخص ويرى بعض خبراء القانون بان الفصل عدد 63 لسنة 2004 من مجلة الاتصالات اعطى الحق لكل شخص في حماية معطياته الشخصية المتعلقة بحياته الخاصة كحق من حقوقه الاساسية التي يضمنها الدستور ولا يمكن معالجتها او ترويجها خارج اطار احترام شخصه وكرامته بل ذهب المشرع الى اكثر من ذلك فكل شخص يتعرض الى مضايقة بشكل يقلق راحته باحدى وسائل الاتصال له الحق بمقاضاة الجاني. وقد رافق التطور التكنولوجي تغير كبير على مستوى عدة سلوكيات مخلة ارتبطت في السابق بالطريق العام لتنتقل جريمة ارتكاب السلوك المخل بالاخلاق الحميدة من الطريق الى الانترنات ووسائل الاتصال الحديثة. في حمام النساء وقد ابدت عدة سيدات تخوفهن من التردد على الحمام عقب انتشار خبر القاء القبض على احدى الفتيات وهي تلتقط صورا للحريفات داخل الحمام بواسطة كاميرا الهاتف الجوال وهو ما حال دون تطور الوضع الى مأساة. لا تعتبر الجرائم الالكترونية حكرا على مجتمعتنا بل تخص ايضا المجتمعات الاوروبية حيث كشفت دراسة بريطانية ان المملكة المتحدة تشهد كل عشر ثواني جريمة الكترونية والتي صنفت بالترتيب كالآتي التحرش الجنسي ب850 الف حالة ثم تليها التحيل عبر شبكة المعلومات من سرقة الهوية 92 الف حالة و207 الف عملية سطو على اموال الغير وبما يعادل 145 الف عملية اختراق للحسابات البنكية. لكن الاختلاف الذي يصنع الفارق بين المجتمعات يكمن في قيود عادات المجتمعات العربية التي توجه اصابع الاتهام للمرأة دون ان تمنحها فرصة الدفاع عن نفسها حتى وان انصفتها التشريعات القانونية.