دفعت عدة قطاعات ومؤسسات اقتصادية ثمن الثورة بما لحقها من حرق ونهب وتخريب شأنها شأن عدة مرافق عمومية مما ساهم في توقف نشاط عديد المصالح، وكذلك المصانع التي كانت تستقبل عددا كبيرا من العمال وهو ما أحال عدد من العمال على البطالة وقتيا... «الأسبوعي» بحثت في حقيقة ما تعرضت له مجموعة من المصانع المنتصبة ببلادنا أو ما يعتبر عنها بالمؤسسات الخاضعة ل«قانون 72». جولتنا شملت عدة مناطق والاقتراب أكثر من أصحاب هذه المؤسسات التي عرفت بعضها صعوبات وأخرى لم تتأثر بكل الأحداث التي عرفتها بلادنا. ولأن هذه المشاريع أو المصانع تتواجد بعديد المناطق من الجمهورية لعل أبرزها ولايات بن عروس وأريانة وجلّ المدن الساحلية بالإضافة لعدة مصانع داخل تراب الجمهورية فإن عديد المشاريع قد تأثرت بالأحداث التي عرفتها بلادنا منذ اندلاع الشرارة الأولى للثورة. إذ عرفت منطقة المنيهلة من ولاية أريانة وتحديدا طريق «الشنوة» حرق سبع مؤسسات اثنان تختص في النسيج وأخرى لصناعة الآلات الموسيقية وهي مؤسسة إيطالية ومصنع الزخرفة بواسطة الأحجار كما تم حرق مؤسسة مختصة في صناعة القوالب البلاستيكية، نفس المصير عرفته المؤسسة الإيطالية لصناعة الأقفال الخاصة بهندسة البناء. كل هذه المؤسسات غادرت بلادنا بعد أن توقف نشاطها لتترك وراءها أكثر من 400 عامل في مهبّ الريح لا شغل لهم. إلا أن المؤسسة الفرنسية المختصة في صناعة اللوحات الكهربائية الصناعية والتي تعرضت هي الأخرى للحرق قد انتقلت إلى منطقة قصر السعيد لتواصل نشاطها وتجنّب عمالها البطالة كما عرفت منطقة سكرة غلق إحدى المصانع المخصصة للتصدير (على ملك الأجانب) نظرا لدخول عمالها في إضراب مما جعل المستثمر يغلق المؤسسة ويعود إلى موطنه وربما يغيّر مكان إقامة مشروعه. الصينيون بالمرصاد مدينة منزل بورقيبة تعرف انتعاشة صناعية بعد إحداث منطقة حرّة وهي منطقة خاصة بالمشاريع الصناعية المخصصة للتصدير وتضم مجموعة من المصانع تشغل حوالي 3000 عامل. هذه المنطقة عرفت في الأيام الأولى من الثورة بعض الاضطراب إذ يقول «م.ر» إيطالي الجنسية مسؤول عن مصنع نسيج وأن الأيام الأولى للثورة جعلته يمر بفترة صعبة نظرا لحالة الفوضى التي عمّت المؤسسة فحوالي 600 عامل قرّروا ودون سابق إعلام الدخول في اضراب دام 3 أيام مما عطّل حركة التصنيع وعجز عن الإيفاء بالتزاماته نحو حرفائه الأجانب. مضيفا وأنه لم يجد صيغة لعودة العمال لسالف نشاطهم سوى الاستنجاد بصاحب المؤسسة الذي حلّ على الفور قادما من إيطاليا لفض الإشكال بطريقته إذ أحضر معه محام تمكن من إقناع ممثلي العمال من العودة إلى العمل لأن العلاقة التي تربط المشغّل بالأجراء سليمة قانونيا ولا فائدة في ممارسة مثل هذه الضغوطات طالما وأن حقوقهم محفوظة وعن سؤالنا حول تأثير الثورة وتبعاتها على علاقة المؤسسة بحرفائها أجاب (م.ر) «من حسن حظ مؤسستنا أنها تصدر إلى إيطاليا فقط مما جعل الإنتاج والتصدير لم يتأثر كثيرا نظرا لمتابعة الإيطاليين لأحداث الثورة التونسية يوميا وتفهمهم لكن المثير للانتباه وأن الصينيين كانوا على أتم الاستعداد لإغراق السوق الإيطالية والأوروبية ببضاعتهم لو طالت فترة الاضطرابات». وفي ختام حديثه معنا أشار محدثنا إلى الدور الكبير الذي قام به الجيش التونسي من أحجل حماية المؤسسات بكامل المنطقة. تفهّم أشارت (م.ر.ت) مسؤولة بشركة «أورو بلاست» المنتصبة بمنطقة سيدي صالح بسكرة من مدينة أريانة منذ سنة 1995 في بداية حديثها إلى أن المؤسسة ظلت تعمل إلى حدود يوم 13 جانفي 2011 مع تقليص عدد ساعات العمل على أن نهاية ذاك الأسبوع عرفت توقف النشاط نظرا لصعوبة الوضع واستحالة تنقل العاملات اللاتي يتنقلن من مناطق بعيدة ليعود النشاط بعد 3 أيام من الراحة الإجبارية الخالصة الأجر. إذ تقول: «سعينا لإيجاد وسائل نقل بديلة في ظل عدم توفر النقل العمومي بالقدر الكافي لنقل حوالي 300 عامل» وأضافت محدثتنا قائلة حول تأثر المؤسسة بالثورة: «لقد جلبت ثورتكم الاهتمام ولم يكن لدينا مشاكل كبيرة مع حرفائنا الذين تابعوا جميع الأحداث الجارية ولم نجد منهم سوى التفهم رغم المزاحمة والمنافسة من شركات أخرى خصوصا الصينية لكن موقع تونس القريب من حوض البحر الأبيض المتوسط يجعلنا نلبّي الطلبات في الموعد وبالمواصفات العالمية». محدثتنا أشارت في نهاية حديثها إلى أنها سعيدة بنجاح الشعب التونسي في ثورته ومعتزّة بما وصل إليه التونسي من وعي ولأن ابنها متزوج من تونسية فإنها تعتبر نفسها اليوم إيطالية تونسية خصوصا وأنها مقيمة بتونس منذ أكثر من 20 سنة. 280 عاملا في مهب الريح... من جهة أخرى فإن ولاية سليانة والتي عرفت ربوعها انتصاب عدد محترم من المستثمرين الأجانب واستقطاب اليد العاملة.. هذه المشاريع عرفت خلال بداية الثورة وتحديدا يوم 13 جانفي توقفا للنشاط نظرا للوضع الأمني المنخرم إلا أنها سرعان ما عادت للعمل ولم تتعرّض للتخريب علما وأن أبرز هذه المصانع مؤسسة ألمانية مختصة في صناعة مستلزمات السيارات إذ بلغ عدد المشتغلين 200 موطن شغل إضافة لثلاث وحدات مختصة في صناعة النسيج بها 600 عامل... هذه المؤسسات وبعد عودة الهدوء مباشرة عاد عمالها إلى سالف نشاطهم بل أنهم كوّنوا لجنة لمتابعة مطالبهم قصد تحسين وضعيتهم المهنية دون الإضرار بسير العمل. موقف العمال وحرصهم على إيفاء مشغلهم بالتزاماته نحو حرفائه بالخارج جعلهم يشتغلون على امتداد كامل اليوم بمعدل 3 فترات وهو ما جعل صاحب المؤسسة يقبل فكرة التفاوض في شأن مطالب العمال على عكس شركة أخرى صاحبها إيطالي والتي لم تلتزم بتعهداتها تجاه عمالها إذ رفض صاحبها صرف أجورهم راتب ديسمبر 2010 مما جعلهم يضربون عن العمل حتى تسوية وضعيتهم... المسؤول الأول لم يجد من حل سوى غلق المؤسسة وترك عدد كبير من العمال (280 عاملا) دون رواتب وعاطلين عن العمل في الوقت الراهن على أن الاتحاد العام التونسي للشغل قد وعدهم بإيجاد حل في أقرب الآجال وضمان حقوقهم المادية والمعنوية.