تدافع الفنانة درصاف الحمداني منذ سنوات عن مشروعها الفني الذي بدا للمطلعين على ملامح تجربتها بعيدا كل البعد عن منطق السوق وما يتطلبه من ترويج تجاري مغر للأغنية والايقاع، فهي مع الايقاع ولا تنكر ذلك ولكنها مع توظيف الايقاع والموسيقى المدروسة في مواضيع هامة واختيارات فيها عمق. وهي تحترم مع كل هذا تجارب الآخرين وتدافع عن حق الاختلاف كي تكون الساحة الفنية بخير و»تتنفس» بمختلف ما يعج فيها من مثقفين ومشتغلين في الفن. وقد التقيناها لنقترب أكثر من مشاريعها القادمة وكي نطلع عن مواقفها مما حدث في تونس خلال الشهرين الأخيرين، شهران غيرا واقع ومستقبل البلاد بعد ثورة الأحرار التي قادت الى خلع بن علي وجماعته.. اليوم يتطلع الفنانون والمثقفون ومنهم ضيفتنا الى مستقبل أفضل لا يقصى فيه المجتهد والحامل لرسالة لا تروق لسياسة التهميش التي كانت الغالبة وطيلة عقود من الزمن.. تابعوا معنا حصيلة جولتنا ولقائنا معها ضمن هذا الحوار..
كيف عشت أحداث ثورة 14 جانفي، هل كنت في الشارع مع المطالبين بالتغيير واسقاط النظام البائد؟
لا للأسف كنت في دبي، وقد سافرت قبل 4 أيام من سقوط حكم بن علي وتابعت المستجدات من هناك، وكان الموقف صعبا علي اذ تمنيت لو لم أكن قد غادرت البلاد وعشت التفاصيل من هنا، من تونس..ولكن قلوبنا كانت هنا تشجع كلمة الشعب وتبارك ثورة الأحرار، وأتذكر أنني سافرت في ظروف نفسية غير مفهومة اذ أحسست بخوف شديد وبكيت في المطار دون أن أدرك السبب وكانت ظروف سفري غير عادية بالمرة، اذ تملكني شعور بأنني لن أعود الى تونس أبدا..
وعدت؟
فعلا عدت بعد أن هدأت الأوضاع الأمنية وعادت الرحلات الجوية فغادرت دبي، وجئت لأستوعب ما حدث عن قرب..
ولكن لم تقدمي الى حد هذه اللحظة أغنيتك عن الثورة كما فعل عدد هام من الفنانين؟
أنا بصدد تنفيذ عملين عن تونس والعالم، لا أريد أن ترتبط المواضيع بتونس اساسا.. وأجد المجال واسعا لاختيار المواضيع ولكن علي مع كل هذا أن أحسن الاختيار وألا أتسرع بتقديم أغنية لا تصل الى القلوب ولا تكون على قدر من العمق.. أنا بصدد الاشتغال على نغم أول لنصير شمة، كما أني سأقدم قصيد «الديك» لنزار قباني مع الفنان رضا الشمك.
كيف واكبت تجارب زملائك المتغنية بالثورة في هذه الفترة ؟
استمعت الى عدد من التجارب وأشجع في الحقيقة كل فنان يعبر بصدق عن هذه المرحلة الحساسة من عمر تونس.. بعض التجارب لم ترق لي واستمعت اليها لمرة واحدة دون عودة.. في المقابل تفاعلت مع تجربة محمد الجبالي، كذلك مع تجربة لطفي بوشناق. وأود هنا أن أشير الى نقطة مستفزة، فالبعض من الفنانين الشبان الذين اجتهدوا وكونوا رصيدا من حب الناس تعرضوا الى الانتقاد لأنهم قدموا أغان عن الثورة وهم المتهمون بالموالاة للحزب الحاكم السابق وللعائلة المالكة، وهنا أود أن أقول أن هذا الأمر غير منصف لهؤلاء، ولو أردنا فتح صفحة جديدة فعلينا أن نكون متسامحين مع تجارب المجتهدين دون تجريح أو تقزيم.
ولكن هناك من الفنانين من كانوا فعلا من «فناني البلاط» ؟
هؤلاء «معروفين» وقد خيروا الصمت بعد الثورة، ولكن حتى هؤلاء لا يجب اقصاؤهم ولعله من الضروري في مثل هذه الحالات أن يعلن كل الفنانين توبتهم السياسية على الملإ كي يغفر لهم البعض تملقهم ولكن أرى أنه من الضروري ألا نضطر للتجريح والتقزيم باسم الدفاع عن الثورة.
هل كنت مقربة من «الطرابلسية» أو من عائلة بن علي الحاكمة؟
لا.. وأحمد الله كثيرا على ذلك..ربما لأن ما كنت أقدمه من فن لا يروق لهم وهذا أفضل.. المرة الوحيدة التي كنت حاضرة فيها في احتفالاتهم كانت في انتخابات 2009 وقد وجهت الدعوة الى كل الفنانين بلا استثناء واستجبت للدعوة لأنني لم أكن قادرة على قول «لا» وشاركت في تلك الاحتفالات.. هل ساهمت سياسة تهميش المشاريع الثقافية الجادة في العهد البائد في قتل الحلم لديك؟
.. بنسبة معينة نعم، ولكن كان ملاذي السفر ولا يزال، اذ بحثت عن البديل خارج تونس، وكونت علاقات فنية مع شخصيات من العالم لديها هاجس التقدم بالموسيقى والفن وتقديم أفكار جديدة ومشاريع عميقة، والحمد لله أنقذتني هذه الخطوة ولم يمت الحلم ولن يموت..
أرجو ألا يقع تهميش الدكاترة والباحثين في الموسيقى في صلب الوزارة، فدورهم مهم لتحقيق التوازن والتنوع ولدعم المشاريع الفنية الكبرى. اليوم أعيش شعورا بالضياع، وأقصد هنا ضياع هويتي وخوفي من التقدم بمشروعي في مناخ قد يلفظني أو يرفضني، لذلك على الوزارة الجديدة أن تفتح المجال لكل الفنانين والا تستثني المثقفين وأصحاب المشاريع الفنية، ولنا مثال المغرب في ذلك، فالحرية التي أعطيت لقطاع الثقافة أثمرت صناعة سينمائية مشهود بكفاءتها خارج المغرب.
هل تحملين كما كبيرا من الأمل بغد أفضل لك ولكل المثقفين في تونس؟
التفاؤل موجود..ولكن علينا أن ننتظر، لن يتغير الوضع بين ليلة وضحاها..تونس اليوم في فترة نقاهة وقد هد المرض جسدها وليس من اليسير البدء من جديد. ننتظر أن تتضح الرؤية أكثر وأرجو أن يكون المستقبل أفضل.