تونس الصباح : العقل البشري ينتج المعجزات ونحن في عصرتعددت فيه الاختراعات والاكتشافات مما لم يحدث في عصر العجلة الناقلة والبارود القاتل». بهذه العبارات الداعية الى التفاؤل افتتح السفير الرشيد ادريس رئيس جمعية دراسات دولية صباح أمس الندوة الدولية التي تنظمها حول الطاقة.. بعد التهاب اسعار برميل النفط.. حتى ناهز المائة دولارا للمرة الاولى في التاريخ.. وقد تميزت هذه الندوة بمشاركة عدد من كبار الخبراء الرسميين والمستقلين في الطاقة.. بينهم كاتب الدولة للطاقة والصناعة السيد عبد العزيز الرصاع و شخصيات عالمية مثل الاستاذ علي النعيمي رئيس منظمة الدول العربية المصدرة للنفط سابقا.. كما تابعتها عدة شخصيات من أحزاب المعارضة بينها السيد مصطفى بن جعفر الامين العام لحزب التكتل الديمقراطي وفتحي التوزري القيادي في الحزب الديمقراطي التقدمي. السيد لوتر وايت مديرالمكتب الاقليمي لمؤسسة فرديدريش ايبيرت التي ساهمت في تمويل الندوة ألقى مداخلة قارنت بين صدمة ارتفاع اسعارالنفط في السبعينات (بمناسبة الحرب العربية الاسرائيلية في رمضان أكتوبر 1973) والوضع الحالي بعد ان ارتفع سعر النفط ليحوم حول ال100 دولار.. واورد السيد لوتر في كلمته أن اوربا لم تعد في توفير نفطها على العالم العربي الا بنسبة 30 بالمائة وعلى 10 بالمائة من الغازالطبيعي العربي.. بينما اصبحت تعتمد بنسبة 40 بالمائة على نفط روسيا وغازها.. وعلى ما بين 30 و40 بالمائة من اوربا.. بخلاف الصين ودول شرق اسيا التي توفرحاجياتها النفطية اساسا من الدول العربية وايران.. رغم ذلك اعتبر السيد لوتار ان ملف اسعار النفط والغاز استراتيجي بالنسبة لاوربا وهو ما دفع مثلا الى تنظيم ندوة ببرلين عن الامن في قطاع الطاقة خلال شهر سبتمبر الماضي.. ابعاد جيو استراتيجية وقد قدم السفيرالسابق عزالدين القرقني (المديرالعام للشؤون العربية في وزارة الخارجية سابقا) الورقة العلمية الاولى للندوة.. التي استهلها بتقديم اعتبران ملف «النفط 10 بالمائة اقتصاد و90 بالمائة سياسة..» واكد على الابعاد الجيو استراتيجية لتقلبات اسعار المحروقات حاليا، على الصعيد الدولي.. ومنها تاثير تلك التقلبات على علاقات التعاون الاقليمية والجهوية والثنائية.. فضلا عن انعكاساتها على القدرة الشرائية والانتاج والاستثمار في كل البلدان ومن بينها تونس.. واعتبرت الورقة ان اسعارالنفط مرشحة للزيادة على المدى القصيروالطويل لاسباب عديدة منها المضاربة ونقص المخزون الامريكي من النفط والاضطرابات بالقرب من مواقع الانتاج (خاصة في الخليج ) وتزايد الطلب العالمي.. وحرص المستهلكين الكبار على تامين حاجتهم من النفط عبر ترفيع مخزونهم.. «ومن بين تلك العوامل ارتفاع طلب الولاياتالمتحدةالامريكية التي تستهلك ربع الانتاج العالمي.. وقد اصبحت تستورد اكثرمن نصف حاجياتها.. «وحسب وزارة الطاقة الامريكية فان الاستهلاك العالمي سيتضاعف حتى عام 2030 وسترتفع حصة النفط والغاز من الطاقة الجملية المستهلكة امريكيا من 56 الى 65 بالمائة.. ومن المتوقع ان يفوق الطلب الاضافي 12 مليون برميل يوميا بعد تزايد الطلب الصيني والاسيوي عموما.. و من المستبعد حصول تحول كبير في الطاقة البلديلة عن النفط والغاز..» السلاح خدمة للنفط واعتبر القرقني أنه «نظرا لان الولاياتالمتحدةالامريكية هي القوة الاعظم فالنفط محدد بالنسبة لسياستها العسكرية والامنية والسياسية العالمية ونشر قواتها في العالم لفرض تفوقها.. النفط اذن اصبح جزءا من خيار الدفاع عن الامن القومي الامريكي والمصالح القومية للولايات المتحدة عالميا.. اضف الى ذلك ان الولاياتالمتحدة اختارت دوما اعطاء الاولية على التوريد ودعم المخزون الداخلي والتحكم في الاستهلاك المحلي. «من جهة اخرى فان اللوبي النفطي الامريكي لا يريد دعم خيار الطاقات البديلة حفاظا على مصالحه ودوره في الولاياتالمتحدة وعالميا.. والنتيجة في كل الحالات ممارسة الولاياتالمتحدة دورا اكثرتورطا في السياسة الخارجية الدولية ومنها الشرق الاوسط.. حيث 64 بالمائة من الاحتياطي العالمي وحوالي ثلث الانتاج العالمي» نفط العراق وقزوين وسجل القرقني أن " تكلفة استخراج برميل النفط العراقي تقدربحوالي 0 فاصل 7 دولا رللبرميل في العراق (مقابل 8 دولارات لنفط بحر قزوين) وهو ما يفسر تزايد الاهتمام الامريكي والغربي بنفط العراق والخليج.. في وقت قامت فيه واشنطن بمد انابيب النفط في منطقة قزوين.. مثل انبوب اذريبجان تركيا الحليف الاطلسي للولايات المتحدة.. وهذا يبرز الابعاد الاستراتيجية والسياسية لملف الطاقة وذلك بتامين واشنطن وحلفائها عسكرية لبواخرعبور النفط.. مما يفسرتركيرمراكز عسكرية قرب الدول المنتجة والمصدرة .. وتامينها عسكريا لوحدات النقل البحري وللمضيقات التي يصعب تجنبها منها مضيف هرمز مالقا وقناة السويس.. نفط المغرب العربي واعتبرت مداخلة السفيرعز الدين قرقني أن " نفط منطقة المغرب العربي يثيركبار المستهلكين للطاقة عالميا.. وخاصة الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي.. فليبيا تنتج حاليا 1 فاصل 5 مليون برميل نفط يوميا.. منذ 23 افريل 2004 تاريخ رفع الحظر الامريكي على ليبيا تضاعف اقبال شركات الاستكشاف الامريكية والاوروبية على ليبيا.. كماتزايد وزن الجزائر بعد ان اصبح في مقدور الشركات العالمية الوصول الى الخام الجزائري دون المرور بمؤسسة «سوناتراك..» علما ان في الجزائرثاني احتياطي للغاز في العالم.. الجزائر توفرحاليا أكثر من 10 بالمائة من حاجيات اوروبا من الغاز وهي ثالث مزود لفرنسا.. اختلاف الاولويات وسجل عز الدين القرقني ان اختلاف الاولويات الاقتصادية والسياسية بين الدول المغاربية عطل بناء الاتحاد المغاربي وحد من فرص استفادة دول المنطقة من النفط الموجود بها باسعار تفاضلية.. وقد تسبب «اختلاف الاولويات» في انعكاسات مختلفة لتقلبات اسعار المحروقات على اقتصاديات الجزائر وليبيا مقارنة بانعكاستها على اقتصاديات تونس والمغرب وموريتانيا.. 7 زيادات في اسعار المحروقات وتوقفت كلمتا كاتب الدولة للطاقة والصناعة والسفير عز الدين القرقني عند اخر الاحصائيات والتقديرات حول تطور انتاج المحروقات في تونس فاوردت ان الزيادة تحوم حول 20 بالمائة قد تحققت بفضل الاكشافات الجديدة.. وان التحسن سيتواصل خلال عام 2008.. كما ستطور موارد الغاز الطبيعي والطاقة الكهربائية.. لكن الورقتين اشارتا الى الابعاد السلبية لتقلبات الاسعار عالميا.. ذلك ان تونس اضطرت الى ترفيع الاسعار 7 مرات منذ 2003 وقد تضطرالى زيادات جديدة.. كما اثرارتفاع اعباء توريد المحروقات سلبا على بعض البرامج الاقتصادية والاجتماعية منها الاستثمار والتشغيل.. من المتضرر؟من المستفيد؟ وحسب رئيس منظمة الدول العربية المصدرة للنفط سابقا الاستاذ علي النعيمي (وزير ليبي سابقا ) فان الدول العربية النفطية متضررة بدورها من اوضاع سوق النفط العالمية.. واعتبران السعرالحقيقي لبرميل النفط حاليا لا يتعدى ال35 دولارا اذا ما اخذ عدة عوامل بعين الاعتبار منها نسب التضخم وانخفاض قيمة الدولار وارتفاع تكاليف تجهيزات الاستكشاف الجديدة عن المحروقات.. وبخلاف كثيرمن التقييمات السائدة اعتبرالرئيس السابق لمنظمة الدول العربية المصدرة للنفط أن النفط ليس سلاحا بيد العرب حاليا بسبب تشرذمهم وتناقض اولوياتهم.. «الاخوة النفطيةّ» في ظل الاجماع على المضاعفات الخطيرة لارتفاع اسعار النفط بالنسبة لاقتصاديات الدول العربية غير النفطية تباينت التقييمات في هذه الندوة.. بما يدعو مجددا الى التفكير في استبدال شعارات الاخوة العربية في مؤتمرات جامعة الدول العربية بشعار"الاخوة النفطية "..لان المستهلك العربي لم تغريه التصريحات السياسية النارية والخطب الرنانة عن العروبة والوحدة والعمل المشترك.. بقدرما تهمه الاجابة عن سؤال : التهاب اسعار المحروقات في محطات البنزين وفواتير الاستهلاك.. حتى متى.. والى اين ؟