تكاد رائحة الدم العربي الذي يسيل منذ أشهر بشكل رهيب تصلنا عبر الفضائيات ونكاد نستنشق رائحته ونحن قابعون أمام أجهزة تلفزيوناتنا لأنّ حجم الدمّ المتدفق الذي ينزف في أكثر من بقعة من تراب الوطن العربي هائل ومع كل نزف جديد تكاد قلوبنا تنخلع أسفا على دماء ما كان لها أن تسكب هكذا ظلما وقهرا. ربما يكون العرب بصدد كتابة التاريخ اليوم من جديد وربما يقدمون درسا في الشجاعة ذلك أنهم يلقون صدورهم للنار من أجل الحرية والكرامة وقد استحقوا بذلك تهليل العالم وتصفيقه. ربما استحق العرب اليوم أن يرفع لهم العالم قبعته وأن يحيّي فيهم قوما أصحاب جأش وشجاعة لا تقهر لكن الثمن باهظ جدا. ندرك جيدا أن الحرية والكرامة لا تقدر بثمن لكن لو كانت الشعوب العربية في مواجهة جيوش أجنبية لهان الأمر ولو كانت أمامنا خيارات لكنا سلمنا بالأمر ولو كنا مكرهين، لكن أن تسيل دماء شبابنا وأولادنا وشعبنا مدرارا تحت ضرب الحكام الذين هم في الأصل أو من المفروض اعتلوا العرش للدفاع عن شعوبهم فتلك الطامة الكبرى وذلك العار الكبير. ربّما لم يسبق أن عاشت شعوب أخرى أمورا قريبة من الخيال مثلما تعيشه الشعوب العربية اليوم على أيدي حكامها. حكام يضيّقون الأرض حتى تستحيل سجنا ويكون لا خيار أمام الشعوب إلا التسليم بأمرهم أو الموت تحت ضرباتهم. كنّا نعتقد وقد جعلتنا الأحداث نقف على ضعف قرائننا وعلى سذاجتنا أن التمسّك بالعرش بالأوطان العربية حكر على شيوخ صارت كسيحة بعد جمود السنين الطويلة وباتت في حاجة إلى حملها على الوقوف والتنحّي عن المكان ولكننّا وقفنا على حقيقة أن كل من اعتلى عرشا في هذه الأمة شابّا كان أو أقل شبابا إلاّ وتشبّث به وبات الفصل بينه وبين العرش كالفصل بين الروح والجسد. إنها وللأسف وحتى يأتي ما من شأنه أن يكذبنا ثقافة متوارثة. لم يبلغ بشّار الأسد الرئيس السوري مثلا من العمر عتيّا وكنّا نحسبه من بين الزعماء العرب من الشباب المبشرين بالتغيير حتى أننا أغمضنا أعيننا على عملية توليه السلطة بطريقة غير مسبوقة حيث تحوّلت سوريا بعد رحيل والده حافظ الأسد بفعل فاعل وبعصا سحرية إلى جمهورية ملكية. ورث الولد عن والده الحكم والحال أن النظّام السوري ليس نظاما ملكيّا ومع ذلك هناك من تصوّر من أبناء هذه الأمّة الطيبين الذين كانوا والوقت غير بعيد لا يأملون في تغيير يأتي من القاعدة أن بشار الأسد سيكون مختلفا عن حسني مبارك وعن القذّافي وعن بن علي وغيرهم ممن ترهلوا وشاخوا وهرموا وهم على قلوب الناس حتى زحزحتهم الشعوب رغم أنوفهم وألقت بهم كالكلاب. كانوا يتوقعون منه تصرفا مختلفا وهو الحاكم الشاب لكنه قدم الدليل على أنه للديكتاتورية وجها واحدا. باتت الضحايا تتساقط في سوريا بالعشرات تحت وابل من الرصاص الحي الذي يجابه مظاهرات المحتجين سلميا ضد السلطة والمطالبين بالحرية في مشهد مقرف وتفوح منه رائحة الدم. وهكذا أقيم مذبح جديد على الأرض السورية ليزيد عدد المذابح التي تسلخ عليها أجساد العرب الذين هبوا من أجل الحرية ومن أجل التحرر من الرق. هكذا يواصل الحكام العرب الذين لم يكفهم أن استباحوا الشعوب لعقود والذين لم يكفهم أن نهبوا خيرات هذه الشعوب لعقود بدون محاسب أو رقيب شن حروب الخزي والعار على شعوبهم لأنها تجرأت وطالبت بالحرية. ترسانات عسكريّة وعتاد حربي هائل يستعمل ضدّ شعوب عزّل والحال أننا لم نر هذه الترسانات العسكرية الهائلة توجّه في يوم ما ضدّ الأعداء. لم نر طائرة واحدة مثلا لسلاح حلف الشمال الأطلسي الذي يحاصر الأجواء الليبية هذه الأيام وقد أسقطتها أنظمة الدفاع الليبيّة التابعة للقذّافي ولم نر أثرا لطائرات العقيد وهي تنازل طائرات الحلف في حين كان يستعرض هذه الطائرات أمام شعب أعزل ويقصفه بها في كل حين. مذابح انتصبت هنا وهناك بالمنطقة العربيّة بأمر من الحكّام العرب الذين اتّفقوا سرّا وعلانية على أن زحزحتهم عن العرش إن كان لابد منها فإنها لن تتم إلا بعد أن يجعلوا هذه الشعوب التي خرجت عن طوعهم وقد كانت بالأمس غير البعيد مجرد رعيّة تدفع الثمن غاليا ومن أرواحهم ومن دمائهم. أما آن للشعوب العربية أن يحقن دمها. أما آن لها أن تعيش في سلام وأن لا تضطر للإختيار بين الحياة والكرامة. حياة السايب