قبل كلّ المصالح الفئويّة أو القطاعيّة أو الحزبيّة الضيّقة وبعدها تبقى هناك مصلحة أهمّ وأقدس وأبقى اسمها مصلحة الوطن العليا... ومصلحة الوطن العليا ليست معطى هلاميّا أو مصطلحا انشائيّا بلاغيّا فضفاضا يراد به "الدّمغجة" أو التّرهيب أو القفز على المسائل والقضايا أو ما شابه بل هي حقيقة جوهريّة تاريخيّة يجب على الجميع أخذها بعين الاعتبار خاصّة في زمن التّحدّيات والفترات الانتقاليّة الشّائكة والمراحل المفصليّة في تاريخ الشّعوب والأوطان... أمّا لمن أراد - ربّما - أن ينظر الى هذه الحقيقة وأن يراها رأي العين فما عليه - فقط - الاّ أن يتطلّع الى العلم المفدّى ثمّ يستحضر الدّلالات الوطنيّة الّتي تحيل عليها هذه الرّاية الرمزيّة الخفّاقة... نقول هذا الكلام لا من باب الغمز أو الهمز ولا من باب المزايدة على أحد وانّما من باب التّذكير - ليس الاّ - خاصّة وقد أوشك أن يصبح ولاء بعض الأطراف لما هو فرعي وجزئيّ و"فئويّ" هذه الأيّام - وفي خضمّ هذه "التّخميرة" السّياسيّة الّتي أفرزها واقع ما بعد الثّورة وسقوط نظام المجرم بن عليّ - أكثر من ولائه لما هو جوهريّ وأصلي ووطني وعام ... مرّة أخرى نقول أنّنا لا نريد المزايدة على أحد ولا مصادرة حقّ أيّ فريق أو جهة أو حزب سياسي - وتحت أيّ شعار أو عنوان - في أن يدافع عمّا يراه صوابا أو مصلحة... ما نريده - تحديدا - هو ان يترفّع جميعنا عن الحسابات الحزبيّة أوالفئويّة أو القطاعيّة الضيّقة في التّعاطيّ مع "المشترك" الوطني من القضايا والمسائل المطروحة خاصّة في هذه المرحلة الدّقيقة والحسّاسة بل والخطيرة من تاريخ بلادنا العزيزة نقول مرحلة دقيقة وخطيرة - لا فقط - اعتبارا لطبيعة التّحدّيات السّياسيّة والأمنيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة الّتي أفرزها واقع ما بعد الثّورة وانّما أيضا اعتبارا لقيمة وخطورة الرّهان المطروح علينا جميعا اليوم كمجموعة وطنيّة والمتمثّل - خاصّة - في ضرورة وحتميّة انجاح عمليّة الانتقال الدّيمقراطي وبناء دولة الحريّات والقانون والمؤسّسات انتصارا للثّورة في ذاتها - من جهة - وتحصينا لمصلحة الوطن العليا من كلّ ما قد يتهدّدها من "أعراض" و أمراض مهما كان مصدرها ومأتاها - من جهة أخرى - ...