نظمت الجمعية التونسية للاتصال بالتعاون مع حزب حركة تونسالجديدة مؤخرا ندوة علمية حول تأثير الثورة الرقمية على مستقبل المؤسسات الدستورية حضرها ثلة من المختصين في التطبيقات الرقمية وتوظيفها في الجانب السياسي. وتناولت بالخصوص مستقبل الحياة البرلمانية على ضوء هذه الثورة الرقمية وبالمناسبة قدم الدكتور مصطفى المصمودي رئيس الجمعية التونسية للاتصال وعلوم الفضاء... والأمين العام لحركة تونسالجديدة محاضرة بين فيها مفهوم الحكومة الالكترونية وحلل مشمولاتها كما حددتها القمة العالمية لمجتمع المعلومات وامتدادها إلى مختلف السلط والمؤسسات التي تقوم عليها الدولة أي السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية والمجموعات المحلية ومنظمات المجتمع المدني. وتقوم الإدارة الالكترونية على استراتيجية إدارية، هادفة إلى تحقيق خدمات أفضل للمواطنين والمؤسسات من خلال إطار الكتروني حديث من اجل استغلال أمثل للوقت والمال وتحسين جودة الخدمات. وتتمثل كذلك في إنجاز المعاملات الإدارية وتقديم الخدمات العامة عبر الشبكات الرقمية بدون أن يضطر المستفيد من الانتقال من إدارة إلى أخرى وإهدار الوقت والجهد والطاقة. وهي تحاكي في وظائفها الإدارة التقليدية وتنصهر في مختلف أجهزة الدولة إلا أنها تمارس بالاعتماد على تكنولوجيا الاتصال وتغني عن أي جهد كبير. وتستهدف أربعة أطراف هي: -المجال الحكومي الشعبي ويخص علاقة الحكومة بالمواطن، وتوصيل الخدمة إليه بدلاً من أن يصل هو إليها وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية في العملية الديمقراطية. -المجال الحكومي الاقتصادي أي تنشيط الدورة الاقتصادية عبر تسهيل معاملات المؤسسات التجارية سواءً كانت مؤسسات محلية، إقليمية أو عابرة للقارات. -المجال الحكومي الإداري ويعنى بربط الصلة بين مختلف الوزارات والإدارات العامة، بالإضافة إلى رفع مستويات الكفاءة والفعالية والأداء في الإجراءات والأنظمة الحكومية الداخلية وتوحيد المؤشرات ومصادر المعلومات. -المجال الحكومي الخارجي اي الانصهار في المحيط الخارجي بهدف رفع الجدوى والتصدير والخدمات عن بعد وتشجيع الاستثمار الخارجي وتنمية السياحة وتحسين صورة البلد بشكل عام.
البرلمان السيبرني.. لم لا؟
وفي حديثه عن مفهوم الحكومة الالكترونية حسب ما ورد في لوائح قمة مجتمع المعلومات وضح الدكتور مصطفى المصمودي ان القمة كرست مصطلح الحكومة الالكترونية وركزت على دور الحكومات في السهر على تماسك العمل بين القطاعات والتنظيمات الكبرى واستحثاث المبادرة في مجالات الاستثمار والتصدير والبحث والدراسات من خلال الإجراءات التشريعية والحوافز الجبائية والتشجيعات المختلفة وذلك بالتخطيط الشامل وبإنشاء البنى التحتية وبتأمين سلامة تبادل المعلومات ومسالك تداولها وبحماية نظم الدفعات الإلكترونية وحقوق الملكية الفكرية. والحكومة هي التي تختص داخليا بالتحاور مع السلط الأخرى وخارجيا بالتحاور مع الحكومات الأجنبية للتنسيق وتحديد إطار المشاركة والتعاون في وضع الاتفاقات الدولية. وقد تناولت لوائح القمة في أبواب متعددة مختلف العناصر المتصلة بالحكومة الإلكترونية وأبرزت المهام الحكومية فحددتها في إرساء البنية التحتية للمعلومات على أساس التكافؤ والإنصاف وإتاحة النفاذ الجامع إلى المعلومات والمعرفة وبناء القدرات وفهم مجتمع المعلومات وتوفير البيئة التمكينية وسيادة القانون وتعميق تطبيقات تكنولوجيا المعلومات في كل جوانب الحياة (خاصة الإدارة العمومية) وضمان التنوع الثقافي واللغوي وضمان تنوع وسائط الإعلام وتعدديتها. وتناول المصمودي أيضا في دراسته البرلمان السيبرني في لوائح القمة فقال: لقد أبرزت القمة مسؤولية السلط التشريعية في بناء مجتمع المعلومات ودعت الاتحاد البرلماني الدولي للمشاركة في إعداد القمة. فنظم هذا الاتحاد ندوتين للغرض وأوصت الدورة 109 لهذا الاتحاد بتشريك النواب ضمن وفود البلدان المساهمة في القمة من أجل تطوير الحياة البرلمانية في المجتمع الجديد كما أكدت الندوة البرلمانية التي انعقدت بتونس خلال أعمال القمة العالمية (17 نوفمبر 2005) على مجموعة من التوصيات ومنها: -المشاركة البرلمانية في تأسيس الحكومة الإلكترونية وتدعيم الحريات الإلكترونية والتنمية الرقمية والتجارة الإلكترونية والعمل عن بعد... -فتح البرلمان أمام كافة الجماهير من خلال نقل وقائع الجلسات العامة عبر التلفزة الرقمية وشبكة الانترنت. -تمكين المواطن من المشاركة في صياغة القوانين بالاطلاع على تطور أشغال اللجان وكسب حق المشاركة في إثراء النصوص من خلال التبادل الإلكتروني. -التصويت عن بعد في الحالات المستعجلة. -توظيف الإنترنت للربط بين البرلمان والمجالس الجهوية والمجالس البلدية ووسائل الإعلام. -استخدام البريد الإلكتروني من طرف النواب لتوجيه الأسئلة إلى الحكومة. -الاستشارة عبر الإنترنت لقياس اتجاهات الرأي العام. -ربط المجالس النيابية بالمكتبات الإلكترونية. -تعميم التراسل بين إدارة المجلس والنواب عبر البريد الإلكتروني للمزيد من النجاعة ولتخفيض تكاليف الورق والبريد. -اعتماد المضمون الرقمي للرائد الرسمي والنشريات المتفرعة عنه. وأضاف: "ان هذه التوصيات تبرز أهمية الدور الموكول إلى السلطة التشريعية من طرف المشاركين في القمة إلا أن هؤلاء لم يطلقوا شعار "البرلمان السيبرني" ولم يساندوا طلب البعض بإطلاق هذا اللقب على أحد المجلسين أو إحداث مجلس وطني ثالث ليتحمل هذا الاسم.
ملاحقة الجرائم السيبرنية
وذكر المصمودي بان القمة كانت قد اهتمت بوظيفة السلطة القضائية ورأت أن مسؤوليات هذه السلطة تتمثل في تعزيز مناخ الثقة باعتماد إجراءات تكفل سلامة المعلومات والشبكات، كما رأت القمة أنه من دور المحاكم تأمين السلامة الإلكترونية وتنميتها وتنفيذها بالتعاون مع كافة السلط وكافة الهيئات الدولية ذات الصلة. ولذلك كررت لوائح القمة عشرات المرات عبارة الأمن السيبرني فأكدت على أهمية نظام إسناد شهادات المصادقة الرقمية والتوقيع الإلكتروني لتأمين السلامة الإلكترونية ودعت إلى تنمية مفهوم الأمن السيبرني وحثت على المشاركة في نشر الثقافة العالمية للأمن السيبرني ودعت إلى الالتزام بالتعاون الدولي من أجل ملاحقة الجرائم السيبرنية وحثت على الاهتمام بظاهرة البريد الإلكتروني التطفلي ومعالجته قضائيا عند الحاجة. وأبرزت القمة من جهة أخرى الضرورة الملحة إلى إيجاد هيئات للتحكيم ولتطوير نظام القضاء من أجل الحسم في بعض الملفات بالسرعة المطلوبة ووردت فكرة المحاكمة عن بعد لتفادي نقل كبار المجرمين من السجن للمثول أمام هيئات القضاء. وعن السلطة المحلية في المدن الذكية قال المصمودي أيضا: "لقد أولت القمة كذلك أهمية بالغة للمجموعات المحلية ومجالسها الاستشارية وهيئاتها التنفيذية وساعدت على تنظيم مؤتمرين تمهيديين بمدينتي ليون الفرنسية وبلباو الإسبانية تحت عنوان ''مدن المعرفة''. وتبنى المشاركون 30 توصية صادرة عن هذين المؤتمرين. وأبرزت هذه التوصيات المجالات الرقمية المتاحة للنشاط المحلي والفضاءات التي يتعين تهيئتها في مدن المعرفة. وقد أكدت لوائح قمة المعلومات من جهة أخرى على ضرورة وضع استراتيجيات إلكترونية بمشاركة الأطراف المعنية في البلديات لتطوير البنى التحتية ولبناء الثقة بين المواطنين في استعمال تكنولوجيا المعلومات وأكدت كذلك على وظيفة الجمعيات ومختلف منظمات المجتمع المدني في تحسين نوعية الحياة داخل المدن والإسهام في التحول الديمقراطي وخدمة المواطن في كل المجالات. فالجمعيات هي الأقدر على النفاذ إلى المجموعات السكانية المهمشة والضواحي البائسة لما تتمتع به من مصداقية بين هذه المجموعات. واستنتج الدكتور مصطفى المصمودي من كل ما تقدم ان مصطلح الحكومة الالكترونية لم يكن يعني السلطة التنفيذية بمفردها وإنما كل الدوائر التنفيذية للمؤسسة الدستورية بوظائفها المختلفة، وان المواطن السيبرني سيصبح متفاعلا مع تخصصات جديدة لم نعرفها من قبل كالشرطة السيبرنية والبنك الرقمي والمستشار الآلي الذي سيكون في خدمة المواطن بكل البلديات. كما استنتج مدى تأثير الثورة الرقمية على مختلف المؤسسات الدستوية وعلى نسق نشاطها وتطور مردودها. وستكون السلطة التشريعية في مقدمة الأطراف المستفيدة من هذا النشاط كما أن الكفة ستميل لفائدة النظام البرلماني لأن هذا النظام سيساعد على تحقيق الديمقراطية المباشرة أو الديمقراطية التشاركية بتمكين كل المواطنين من متابعة أعمال البرلمان وكل الحقوقيين من المشاركة في وضع القوانين وصناعة القرار.