آسيا العتروس قد لا يختلف اثنان أن خطاب رئيس الحكومة المؤقت السيد الباجي قايد السبسي بالامس كان الاكثر اثارة للجدل ولكن أيضا الاكثر اثارة للمخاوف منذ توليه منصبه قبل بضعة أشهر بعد أن رفع الشارع التونسي البطاقة الحمراء في وجه حكومة سلفه السيد محمد الغنوشي والمخاوف لا تتوقف عند حدود النخب أو دائرة الاحزاب السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني ولكن التوجس والرهبة شمل أيضا السواد الاعظم من المواطنين الذين عاشوا حالة من الترقب تحسبا لم يمكن أن تؤول اليه ردود الفعل ازاء خطاب رئيس الحكومة المؤقت بعد سلسلة الاجراءات التي أعلنها والتي تشمل المرور الى تطبيق قانون الطوارئ المعلن في البلاد منذ الرابع عشر من جانفي... كذلك توقيف العمل النقابي لقوات الامن وحل نقابتهم وفرض القانون وعدم التسامح ازاء الممارسات التي من شأنها تعطيل البلاد كل ذلك الى جانب دعوته أعوان الحرس الوطني الذين يعتقد في تورطهم فيما وصفه رئيس الحكومة بالتمرد بالبقاء في منازلهم حتى انتهاء الابحاث وتحديد المسؤوليات وهو ما فاجأ الكثيرين خاصة في مثل هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد في انتظار للموسم الدراسي المرتقب خلال أيام واستحقاقات الموعد الانتخابي الذي لم يعد يفصلنا عنه غير ستة أسابيع... ومع أنه ليس للعاطفة موقع في السياسة فان الواقع أن رئيس الحكومة وبقدر ما كان استفزازيا ومتحديا في خطابه بقدرما كان صريحا في تشخيص المشهد الامني الخطير في البلاد ازاء ما بلغته مناطق كثيرة من انتشار للفوضى ولسيادة قانون الغاب حتى بات المخرج الوحيد المتبقي في حالات كثيرة مرتبط بالعودة الى فرض حظر الجولان تماما كما حدث بعد هروب الرئيس المخلوع وهو ما لا يمكن اعتباره بالمنطقي في شيئ.. سبيطلةالمتلويسيدي بوزيد المكناسي جبنيانة المطوية دوز والبقية تأتي حرائق بالجملة من باجة وجندوبة الى غابات النخيل في الجريد حفلات زواج تتحول الى ماتم وتحرق بسببها البلاد خصومات وخلافات عائلية تقذف بالبلاد الى المجهول حسابات شخصية تدفع الى قطع الطرقات ووقف عمل المصانع والمؤسسات الصحية والاقتصادية وغيرها... لسنا في اطار محاكمة النوايا ولكن ما بلغته أزمة الثقة التي تعيش على وقعها البلاد تجاوز كل الحدود حتى باتت الشكوك والاتهامات والتخوين سيد الموقف. صحيح أن التركة التي حلفتها عقود من الفساد والاستبداد ليست بالهينة وأن التخلص من تداعيات تلك العقلية المثقلة بأمراض وعلل الماضي قد يتطلب سنوات طويلة قبل تحقيق الخلاص المنشود. ربما يتجاهل المضاربون اليوم بالمصلحة الوطنية العليا أن تونس تبقى فوق الجميع وأن كل قطرة دم وكل شهيد من شهداء الثورة وكل الذين لم يترددوا في التضحية بالغالي والنفيس من أجل الحرية والكرامة دين علينا ومسؤولية في رقابنا جميعا لحماية اهداف الثورة الشعبية المجيدة وانجاح الانتخابات القادمة. أخيرا وليس آخرا نوجه رسالة واضحة لرئيس الحكومة ولكل من يقبل بتحمل مسؤولية في هذه البلاد نعم لاعلاء وتغليب شأن القانون ليكون فوق الجميع فيعلو ولا يعلى عليه ولكن لا لمنطق "زلات اللسان" غير المقبولة لمن كان في موقع السيد الباجي قايد السبسي ومن كان معدنه "فخار قديم" على حد تعبيره...