الأمر لا يتعلق هنا بعلم التشريح أو الفيزيولوجيا وعلم وظائف الأعضاء وما شابهها من العلوم الصحيحة، وإنّما الأمر في هذا المجال يتعلّق بالسياسة وسياسات بعض السياسيين، ولم لا فبعضها يحتاج إلى عمليات جراحية للتجميل بعد أن تردت صورها إلى الحضيض وأصبحت مشوهة بصورة باتت تستدعي التعجيل بترميمها لدى الرأي العام الداخلي والخارجي على حدّ سواء وفي مقدمتها سياسات إدارة الرئيس بوش. لقد اختار الرئيس الأمريكي الأيام الأخيرة كاتبا «محافظا» اسمه جيمس غلاسمان لا لكتابة مذكراته وجمع صوره أو تدوين إبداعاته في مجالات الأدب والفنون وحتى الرياضة، وإنما الاشراف على الجهود الرامية لتحسين و«تجميل» صورة الولاياتالمتحدة في الخارج، ومجابهة الأراء السلبية بشأن سياسات البيت الأبيض في مختلف أنحاء العالم خلفا لكارين هيوز التي قدمت استقالتها وبررت ذلك بالعودة إلى مدينتها بولاية تكساس. هذا الأمر هو المعلن.. لكن الخفي بشأن الاستقالة والتعيين الجديد هو أنّ التقارير واستطلاعات الرأي في مختلف أنحاء العالم تشير إلى مستويات عالية من تنامي المشاعر المعادية للولايات المتحدة، خاصة بعد غزوها للعراق في 2003 دون أي مبرر شرعي وتدخلها من قبل في أفغانستان والإطاحة بنظام «طالبان» وما ارتكبته وترتكبه من مجازر يومية في حق المدنيين تحت غطاء محاربة «الارهاب» أو مطاردة عناصر من «القاعدة» وما إلى ذلك من المفاهيم والتبريرات التي انتجها العقل السياسي الأمريكي المحافظ بعد 11 سبتمبر. إن تنامي المشاعر المعادية لسياسات البيت الأبيض خصوصا في الفترة الرئاسية لبوش الابن ما كانت لتتصاعد في الداخل والخارج و«تحصد» العديد من رؤوس الصقور في مقدمتهم وزير الدفاع السابق رامسفيلد لو انتهجت الولاياتالمتحدة سياسة أكثر عقلانية واتزان في معالجة العديد من الملفات بعيدا عن سياسة المكيالين ونهج التدخلات في الشؤون الداخلية للدول واستخدام القوة العسكرية في حل الخلافات التي تنشأ في العالم. صورة الولاياتالمتحدة اليوم تحتاج إلى أكثر من عملية جراحية «للتجميل» في ضوء تدخلاتها العسكرية دون أي مبرر شرعي أو أخلاقي أو إنساني في شؤون الدول وارتكابها لعديد المجازر خاصة في العراق وفضائح «أبوغريب» وقتل المدنيين اليومي وتهجير الآلاف من العراقيين إلى البلدان المجاورة، هذا إلى جانب التدهور في مختلف الميادين الاجتماعية والصحية والاقتصادية زاده إذكاء النعرة الطائفية بين أبناء الشعب الواحد تأزما وخطورة. في الواقع إنّ الصور الجميلة لا تحتاج إلى تجميل والسياسات العقلانية التي تبنى على الحوار والعدل واحترام الآخر مهما كان اللون والعرق... والنهج السياسي بعيدا عن التدخلات والإملاءات ومنطق الوصاية والإقصاء والتهميش لا تحتاج هي الأخرى لعمليات جراحية لتحسين صورتها لدى الرأي العام الداخلي والخارجي. في الحقيقة إن الولاياتالمتحدة مدعوة اليوم إلى أكثر من الجراحة والتجميل، بدءا بلعب دور الوسيط والراعي النزيه في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وذلك بالضغط على الدولة العبرية لتنفيذ الاتفاقات الثنائية والاسحقاقات الدولية ووقف اعتداءاتها اليومية على الشعب الفلسطيني الأعزل؛ والكف عن انتهاج سياسة المكيالين لصالح إسرائيل والتغاضي عما يعانيه الشعب الفلسطيني. كما أن إدارة بوش مدعوة اليوم أيضا إلى مراجعة سياستها بخصوص ما تسميه الحرب «على الارهاب» والتمييز بين «الارهاب الحقيقي» والمقاومة التي تكفلها كل المواثيق الدولية لتحرير الأرض والوطن، لأن مواصلة مثل هذه السياسات لن تزيد الوضع في العالم الا تأزما وتوترا يغذي النزاعات الانفصالية والعنف المستشري في شتى أنحاء العالم. إن الجراحة التجميلية الحقيقية هي الاستيعاب الموضوعي لمختلف الاشكالات العالمية لتجنب المبالغة والتطرّف والتهويل وتنامي مشاعر الكراهية والتعصب في مختلف أنحاء العالم، ولا تحتاج إلى مجرد تغيير للأسماء فيما يتواصل انتهاج نفس السياسات والاطروحات الموغلة في الصلف والتلويح بلغة القوة بدل بناء علاقات القيم واحترام مبدا التعايش البشري.