نزار مقني بدأت وتيرة الأحداث في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الإزدياد مع إعلان إسرائيل "موافقتها الرسمية" على بيان اللجنة الرباعية الراعية للسلام في الشرق الأوسط، مع بروز تحفظ فلسطيني غير مسبوق على هذه الخطة خاصة وأن البيان الذي صيغ على مضض كتحرك ديبلوماسي في نيويورك في محاولة لفرض "خيار المفاوضات" وإثناء السلطة الفلسطينية على التوجه "المغامرة" الذي اتجه فيه الرئيس الفلسطينية محمود عباس في نيويورك، حيث يواجه ال"هراوة" الأمريكية في مجلس الأمن "الفيتو".. في حال غلب التصويت بنعم على طلب الفلسطيني في عضوية كاملة كدولة في الجمعية العامة. ولكن وحتى تلك الصيغة التي ورد فيها البيان والذي لم يأت على أي نقاط مرجعية للسلام جاء ليكون لبنة جديدة من الإلتفافات الإسرائيلية على عملية السلام"، لتكون الموافقة الإسرائيلية عليها كصب الماء على "النار الفلسطينية المشتعلة" والتي ازدادت اشتعالا بعد قرار وزارة الداخلية الإسرائيلية البداية في بناء مستوطنات جديدة في القدسالشرقيةالمحتلة، فكانت تلك الموافقة بمثابة الرد الإسرائيلي الرسمي على عملية السلام، تلك العملية التي لابد من أن تشتمل على عناصر معينة للتفاوض عليها وأبرزها الأرض(التي أكلها الإستيطان)، والقدسالشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية الموعودة في الضفة الغربية وقطاع غزة. النقاط المرجعية لم تأت واضحة في بيان الرباعية (نقاط التفاوض) وكان ذلك منطلقا في بداية "لعبة إسرائيلية" جديدة قائمة على التمطيط والتمديد وعمليات ربح الوقت التي دأبت عليها تل أبيب منذ بداية الهجرة اليهودية إلى فلسطين التاريخية. هذه الموافقة تأتي بعد أكثر من أسبوع من مشاورات "الكابينيت" الإسرائيلي (الإجتماع الأمني المصغر الذي يأخذ القرارات الإسراتيجية الخاصة بإسرائيل وتضم 8 وزراء)، والذي وجد في بيان الرباعية نقطة هرب من عملية السلام التي أراد محمود عباس فرضها في خطوة تكتيكية في الأممالمتحدة رغم التهديدات الأمريكية بالفيتو.
المناورة الإسرائيلية
وحتى تلك الصيغة التي جاء بها البيان لم يستسغها الإسرائيليون إما من حيث الجدولة الزمنية التي حددتها اللجنة الرباعية، إذ نقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، عن مسؤولين إسرائيليين قولهم، إن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو سيطالب بإجراء تغييرات في بيان اللجنة الرباعية، على الرغم من تصريحه أمس بأنه يرحب بدعوة اللجنة الرباعية لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين دون شروط مسبقة. وأوضحت الصحيفة، نقلاً عن مصادر دبلوماسية قولها: إن مخاوف إسرائيل الأساسية تتمثل في موضوعين، أحدهما: يتعلق بالجدول الزمني المخصص للمفاوضات حول الحدود والقضايا الأمنية الذي تحدد بثلاثة أشهر، والآخر: مناقشة قضايا اللاجئين الفلسطينيين والاعتراف بالدولة اليهودية في مرحلة لاحقة من المفاوضات. هذه التصريحات تطرح أكثر من نقطة استفهام، فالإسرائيليون يريدون مفاوضات من دون "شروط مسبقة"، وفي نفس الوقت يريدون فرض نقطتين وهما حسما في قضية عودة اللاجئين، وقضية فرض يهودية الدولة. مما يعني أن الموافقة الإسرائيلية جاءت لغاية التملص من الضغط الدولي وخاصة الأوروبي والروسي عليها للموافقة على "صك الرباعية" الخالي من الرصيد، لمتابعة عملية السلام. وذلك يعني أن الإسرائيليين يريدون في هذه المرحلة إعادة توزيع الأدوار ليكون الضغط على الفلسطينيين لا عليهم في هذه المرحلة في مقابل أن تتواصل أجندتهم السياسية في التحقق شيئا فشيئا في الأراضي المحتلة وخاصة في الضفة، مما يعني في نهاية المطاف إعادة الضغط على السلطة الفلسطينية وهو ما يطرح أمرين هامين ترتكز عليهما الإدارة اليمينية الإسرائيلية، أولهما، القدرة على الخروج من دائرة الضغط الأوروبي، خاصة مع الموافقة على البيان الذي حرصت مسؤولة الأمن والخارجية في الإتحاد الأوروبي كاثرين أشتون على إعداده في نيويورك، مما يعني مخرجا ديبلوماسيا للعزلة التي تؤرق الإدارة. النقطة الثانية، ترتكز أساسا في التخلص من الضغط الذي يفرضه اليمين الإسرائيلي والذي يمثل العقل الإيديولوجي للحكومة القائمة، ويتلخص معظم أفكاره في نقطة وحيدة وهي "دولة إسرائيل من النهر إلى المحيط". إذن نستنتج من هذين النقطتين أن حكومة نتنياهو تسعى للتخلص من العزلة الدولية والإقليمية التي فرضها "الربيع العربي" (بعد الإطاحة بمبارك وابتعاد تركيا عن التحالف الإستراتيجي التركي)، و"خطر السقوط" الذي تهدد به الجماعات التلمودية الإستيطانية في الضفة واليمين المتطرف بصفة عامة. وعلى هذا الأساس فإن الأيام القادمة ستشهد ظغوطا دولية على الفلسطينيين وخاصة من الجانب الأمريكي، الذين سيستغلون نقطة هامة في ذلك وهو خطاب أوباما في ماي الماضي والذي اعتمد عليه عباس عند ذهاب للأمم المتحدة للمطالبة بدولة في حدود 67، وهي نفس النقطة التي ستطالبه بها واشنطن لفرض واقع المفاوضات وفق النظرة الأمريكية.