بقلم: محسن الكعبي يقول أبو القاسم الشابي: إذا الشعب يوما أراد الحياة... فلا بد أن يستجيب القدر... وأقول أن الإرادة هي السلاح الخفي القوي، الذي يوجد في قلب كل إنسان، أفرادا وشعوبا، حكاما ومحكومين، فمن حرم الإرادة فقد حرم الخير كله، فكل عمل أو رغبة أو هدف بلا إرادة لن يتحقق، فالجندي بلا إرادة لن يعرف للنصر سبيلا، والصانع بلا إرادة لن يصنع إلا السراب، والشعب بلا إرادة لن يحقق لنفسه إلا الأماني والوهم... فهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بإرادته وعزيمته استطاع بتوفيق الله تعالى أن يغير الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في جزيرة العرب، وأن يجعل من الإسلام دينا ودولة وأرسل الرسل إلى الأباطرة والملوك تتضمن الدعوة إلى الحق «اسلم تسلم»..و المصلحون والزعماء والقادة والمربون فعلوا العجب العجاب عندما حركتهم الإرادة للتغيير، فتحقق لهم ما أرادوا، ولولا الإرادة التي تختلج في صدورهم لما وصلوا إلى شيء. و عندما تقلب أوراق التاريخ وتتصفحها فانك ستجد أشخاصا وصلوا إلى المجد والعلياء بسبب إرادتهم الصلبة، التي استطاعوا من خلالها الوصول إلى تحقيق الأهداف والغايات. ففي عالم السياسة القديم استطاع صلاح الدين أن يحرر القدس بإيمانه العميق وإرادته الصلبة، وهو صاحب المقولة المشهورة « كيف أبتسم والأقصى أسير». و في عالم الاختراعات أضاء لنا «أديسون» الدنيا باختراعه للمصابيح بعد عديد المحاولات الفاشلة تحمل فيها ضغط السخرية والاستهزاء من أصحاب العقول المستريحة، لكن بصبره وجلده وإرادته ينعم اليوم العالم أجمع بالنور، الذي تحقق للبشرية فوفر عليها الوقت والجهد حتى قال :» أنا لم أفعل أي شيء صدفة ولم أخترع أيا من اختراعاتي بالصدفة، بل بالعمل الشاق» وفي عالم السياسة الحديث كانت تونس قبل 14 جانفي 2011، تعيش حالة من الفساد والإفساد والمحسوبية، حالة من الإقصاء والتهميش، حالة من الترهيب والتخويف، قويّها يأكل ضعيفها، حتى عادت كالجاهلية الأولى. إلى أن قيض الله لهذا الوطن طلائع من شعبه استطاعت بإرادتها وعزيمتها رفع شعارها الملهم: « الشعب يريد..»و «ارحل»..و أن تستعيد زمام المبادرة، وها هي اليوم تقرر مصيرها وتخوض لأول مرة في تاريخها انتخابات تعددية، الشعب أرادها شفافة ونزيهة فكانت كذلك، طالما دعمها وسهر على تأمينها جيشنا الشعبي الأبي، الذي احتضن ثورة هذا الشعب منذ ساعاتها الأولى وأشاع الأمن والأمان. السيد عبد الكريم الزبيدي وزير الدفاع الوطني والسيد الفريق أول رشيد عمار رئيس أركان الجيوش، تحركت فيهما إرادة الإنصاف ورد الاعتبار للعسكريين ضحايا دكتاتورية بائدة بائسة، فوجهوا لهم دعوة لطيفة يوم الجمعة الماضية ( 14 أكتوبر ) بنادي الضباط للجيش الوطني بالبلفدير. فكان اللقاء حميميا، التقى فيه رفاق السلاح ممن طالتهم يد العسف مع إخوانهم المباشرين بعد أكثر من عقدين من الزمن، ومن كان يظن أن هذا اليوم سيأتي وتطوى فيه صفحة أليمة من تاريخ هؤلاء الذين كادوا أن يموتوا بحسرتهم دون أن يتم إنصافهم. لولا هذه الإرادة الصادقة التي أبت إلا أن تضرب موعدا مع التاريخ وتبادر إلى كفكفة الدموع، ومعالجة الجراح، ولقد كانت حقيقة مبادرة وخطوة على الطريق الصحيح. نأمل أن تتبع هذه الخطوة خطوات أخرى كالندوة الصحفية التي نطالب بانعقادها لتبرئة الذمة،و إلغاء وتعويض الندوة الصحفية سيئة الذكر التي عقدها المدعو عبد الله القلال كوزير للداخلية في وقته، والتي اتهم فيها زورا وبهتانا المئات من الإطارات العسكرية الشريفة ذات الكفاءة العالية في ما بات يسمى» بمؤامرة براكة الساحل1991».. نأمل أن تتواصل معالجة كل المظالم السابقة واللاحقة في إطار تفعيل مرسوم العفو العام الذي ما جاء إلا لتكريس مفهوم الميمات الثلاثة وهي المصارحة والمحاسبة والمصالحة. بفضل الإرادة الصادقة لقيادة مؤسستنا العسكرية الأبية، ترك هذا اللقاء في نفوس المدعوين انطباعا ايجابيا، وارتياحا كبيرا،وزرع في نفوسنا بان الوزارة جادة في إنصاف كل المظلومين وتمكينهم من استرداد حقوقهم المادية والمعنوية التي يقرها مرسوم العفو العام وتوابعه.. فما أحوجنا اليوم وما أحوج وطننا العزيز وما أحوج الأمة العربية، أفرادا وشعوبا، إلى الإرادة التي تنفض عنها غبار الوهن والعمالة والتآمر، وتجعل منها أمة حية على جميع الأصعدة فتغير حالة السكون والركود والخمول إلى حالة العمل والإنتاج والنهوض، والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ولله در القائل: وهنا الإرادة علمتني أنها... تبني من العقل السليم الأنجما وهنا عرفت الفكر أسمى نعمة... وخلاف من قالوا: الإعاقة بالعمى إن الإعاقة أن نطأطئ فكرنا... للجهل،أو نرضاه دربا مظلما. ضابط مهندس وأستاذ بالأكاديمية العسكرية سابقا