آسيا العتروس حدثان أساسيان سيطرا على المشهد السياسي بداية هذا الاسبوع ,أما الاول فيتعلق بمجريات الانتقال التاريخي والحضاري والديموقراطي للسلطة بين حكومة رئيس الوزراء المتخلي الباجي قايد السبسي وأول حكومة منتخبة بعد الثورة برئاسة حمادي الجبالي بكل ما حملته في طياتها من اشارات ورسائل طمأنة للرأي العام في الداخل والخارج، وأما الحدث الثاني فيتعلق بقضية شهداء تالة والقصرين وما تعنيه بدورها في مسار البحث عن تحقيق العدالة وانصاف كل الذين قدموا حياتهم ثمنا للحرية والكرامة. معرفة الحقيقة أولا وتحقيق العدالة وانصاف عائلات الشهداء والضحايا ثانيا، تلك هي الرسالة التي ارتبطت بأحداث الجلسة الثالثة لمحاكمة ما بات يعرف بقضية شهداء تالة والقصرين والتي شهدتها بداية الاسبوع المحكمة العسكرية بمدينة الكاف التي استقطبت الانظار واستأثرت باهتمام مختلف وسائل الاعلام لتؤكد ومع احياء الذكرى الاولى لثورة الكرامة أن حياة التونسي ودمه أقدس وأثمن من أن يهدرا دون مساءلة وأن كرامته أرفع من أن تهان أو تداس دون حساب أو عقاب بعد أن كسر التونسي كل قيود الخوف وتجاوز صوته كل الجدران والحدود بما يعني أكثر من أي وقت مضى أن تحقيق العدالة مطلب شعبي وشرط أساسي بدونه لن يكون بالإمكان بلسمة الجروح وتحقيق المصالحة الوطنية المنشودة. صحيح أن هذه المحاكمة انطلقت في غياب عدد من أبرز المتهمين وبينهم الرئيس الهارب الذي لجأ الى السعودية اتقاء لغضب الشعب ، ومع ذلك فان ما يحدث يؤشرالى أن المواطن التونسي بصدد استعادة انسانيته وحقه في الاحساس بالمواطنة وهو الاحساس الذي طالما حرم منه وكان يحسد الشعوب الغربية على ما تتفرد به من احترام لكرامة وانسانية وقيمة مواطنيها لدى الحكام... ولاشك أن في الحضور المكثف لعائلات الشهداء الذين باتوا ملكا للثورة الى جانب حضور الكثير من ممثلي المجتمع المدني والمتعاطفين مع الاهالي أمام مقر المحكمة رغم البرد الشديد, ما يعكس اصرارا على معرفة الحقيقة المغيبة وكشف ما خفي من الالغاز والاسرار التي يتطلع اليها كل التونسيين للقطع مع حالة التباطؤ والشكوك والتردد والغموض الذي ساد حتى الان بشأن القناصة كما بشأن وجود جناح مسلح داخل الحزب الحاكم الذي وقع حله أو غير ذلك من الثغرات التي لاتزال قيد البحث والتحقيق. قد لا يختلف اثنان اليوم وبعد عام على ثورة الكرامة التي تحولت الى رمز للربيع العربي المتأجج في أهمية المحاكمة التي من شأنها أن تساعد على الغاء الكثير من مخلفات العقلية البوليسية الانتقامية التي سادت طويلا وجعلت حياة المواطن التونسي بلا قيمة بعد أن تحول الى مجرد رقم في أرشيف وزارة الداخلية أو رمز في الوثائق الشخصية... فهل تدرك الحكومة الجديدة قيمة المواطن التونسي بعد الثورة ؟