الاخبار الواردة من سوريا الشقيقة متناقضة وتدعو للانشغال والحيرة في نفس الوقت. من جهة لا مجال في التشكيك في جدارة الشعب السوري العظيم، الصامد منذ اكثر من 80 عاما في صراعه ضد المشاريع الاستعمارية الغربية والإسرائيلية، بحياة ديمقراطية حقيقية وبإصلاحات جذرية لأوضاعه المادية والمعنوية... ولا مجال للتشكيك في حجم التضحيات التي يقدمها الشعب السوري منذ مدة طويلة من أجل التكريس الفعلي للتعددية والاقرار بحقوقه في التنمية والكرامة والعدالة الاجتماعية والقطع مع كل اشكال الاستبداد والفساد. كما لا يمكن باي حال التقليل من حجم نضالات الذين استشهدوا او سجنوا مؤخرا لانهم ينشدون التغيير الشامل لواقع شعبهم نحو الافضل.. نحو الحرية والكرامة.. لكن لا يمكن في نفس الوقت تجاهل حجم الاطماع الاقليمية والدولية والمشاريع الاطلسية التي تهدد سوريا الشقيقة ومن ورائها كامل منطقة المشرق العربي في صورة جر البلاد نحو تدخل عسكري اجنبي.. على الطريقة التي حصلت في العراق وافغانستان وليبيا.. سوريا رغم غلطات حكامها الفادحة كانت» اخر قلاع التصدي العربي للاحتلال الاسرائيلي ولحلفائه».. وكانت ولا تزال الحليف الفعلي الاول لحركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية.. كما تلعب دمشق منذ سنوات» دورا معدلا» للمخططات الاطلسية في المشرق العربي الاسلامي من خلال تحالفها مع طهران ودخولها في حلف مع انقرة وبغداد وزعامات المقاومة في فلسطين ولبنان.. لكن سوريا اليوم تبدو بين فكي كماشة.. بين المطرقة والسندان.. بين سيناريوهات قاتمة عديدة من ابرزها توريطها في حرب «طائفية» وصراعات مسلحة عنيفة جدا بين «العلويين» و«السنة» والقوى الاجنبية التي تقف وراء كل طرف.. ولعل اكثر هذه السيناريوهات قتامة توريط بعض قوات الدول العربية ثم الاطلسية في تدخل عسكري ميداني في سوريا للإطاحة بالرئيس الاسد بسبب» امتناعه عن احترام التزاماته للجامعة العربية».. ومثل هذا السيناريو قد يتسبب في سقوط عشرات الآلاف من القتلى بين المدنيين والعسكريين.. لان الغالبية الساحقة من ضباط الجيش السوري وقادة مخابرات من «العلويين» الموالين كليا لنظام الاسد.. وبين ايديهم اسلحة ثقيلة متطورة جدا.. فضلا عن كون الجيش السوري مدرب على الحروب والقتل بخلاف الجيش الليبي الذي كان اساسا مؤسسة لضمان امن القذافي داخليا.. فهل ينجح ساسة سوريا والمنطقة وصناع القرار في العالم تجنيب سوريا مذابح تذكر بالذي يجري في العراق من ماس ومذابح وكوارث منذ 8 سنوات الى درجة ان الشعب العراقي اصبح «يترحم» على عهد صدام حسين رغم ما حف به من قهر وظلم وقمع؟ وهل يفلح العقلاء هنا وهناك في اقناع قادة تركيا وحلفائهم من جهة والزعماء العرب والاوربيين من جهة ثانية في تجنيب المنطقة ساحة جديدة للعمليات الحربية الاطلسية و«وكرا جديدا» للتفجيرات التي تتبناها «القاعدة» و«التنظيمات الارهابية» على غرار ما يجري في العراق وافغانستان منذ سنوات؟ قد يكون صناع القرار السياسي في دمشق مطالبون بدورهم ببذل جهود عاجلة لتجنب جر بلدهم نحو الحرب.. من خلال اقرار اصلاحات سياسية جذرية وعميقة وفورية تحقن دماء شعبهم وتقيهم ويلات تدخل عسكري اجنبي ستكون كلفته ثقيلة جدا بشريا وماديا وسياسيا.. في سوريا وفي كامل المنطقة..