وصلت جامعة الدول العربية في ما يخص ملف الأزمة السورية إلى طريق مسدود، بعد فشل بعثة المراقبين التابعة لها في إلزام نظام الرئيس السوري بشار الأسد باحترام الاتفاق الموقع معها والقاضي أساسا بالوقف الفوري لأعمال العنف والدخول مباشرة في حوارات مكثفة مع مختلف مكونات المعارضة، ناهيك عن الانتقادات والشكوك التي حامت حول حيادية البعثة والسخط الكبير الذي أثاره تعيين محمد أحمد مصطفى الدابي المورط بدوره في جرائم إبادة بإقليم دارفور السوداني على رأسها. ويضاف إلى هذا الفشل الارتفاع الكبير المسجل في حصيلة القتلى في سوريا على امتداد شهر استغرقته مهمة البعثة العربية على أرض الميدان إذ بلغت حوالي 600 قتيل أي بمعدل 20 قتيلا يوميا دون اعتبار الجرحى. وفي ظل هذه النتيجة البائسة، تعقد الجامعة العربية اليوم اجتماعا جديدا لبحث الخطوات المقبلة بشأن الملف السوري حيث ينتظر أن تكون أمام خيارين أحلاهما مر، الأول - وهو المرجح أكثر من غيره - يتمثل أساسا في تمديد مدة تفويض البعثة العربية المطعون في مصداقيتها لدى الشارع السوري المنتفض وهو خيار يرى أكثر من محلل سياسي أنه لن يؤدي إلى احتواء الوضع بل بالعكس سيسهم في مزيد تعقيد الأمور وارتفاع وتيرة العنف. أما الخيار الثاني فيقضي بتدويل الملف السوري وطرحه على طاولة مجلس الأمن، ويمكن الجزم بأنه سيفضي، في ظل الشرخ الحاصل بين أعضاء الجامعة وانقسامهم بين داعم لتدويل الأزمة وبين رافض حتى لإدانة النظام السوري، بمؤسسة الجامعة العربية مجددا إلى طريق مسدود، لأن المجتمع الدولي الذي "تبنى" مطالب المحتجين في سوريا لا يبدو قادرا في المرحلة الحالية على استصدار قانون يدين النظام الحاكم فيهم بالحديد والنار، بارتكاب جرائم حرب بما يمهد لامكانية تدخل عسكري نظرا للتلويح الروسي والصيني ب"الفيتو"، فقد أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن بلاده والصين ستقفان ضد أي تدخل أجنبي أو حتى عربي في سوريا بل ذهبت روسيا إلى أبعد من ذلك، حيث رفضت حتى العقوبات الاقتصادية الأوروبية المسلطة على بشار الأسد ومقربيه من رجال أعمال. وحتى لو فرضنا أن الدول الغربية ستتمكن من تجاوز عقبة "الفيتو" الروسي أو الصيني في مجلس الأمن وتستصدر قانونا يدين نظام الأسد، فهي غير قادرة على تكبد خسائر مالية جديدة في مغامرة محفوفة بالمخاطر غير مضمونة النتائج قد تغرقها أكثر في مستنقع الأزمة الاقتصادية الخانقة الذي تتخبط فيه. فأي تدخل عسكري في سوريا سينتج عنه اشعال فتيل حرب شرق أوسطية حامية وكارثية النتائج بين شق حليف لنظام بشار الأسد تربطه به مصالح استراتيجية ومن المؤكد أنه لن يكتفي بموقع المتفرج حيال تدخل عسكري كروسيا وإيران و"حزب الله" في لبنان، وشق اخر لن يجد فرصة سانحة كهذه لقطع رأس نظام طالما كان شوكة في حلقه وحجر عثرة أمام حماية مصالحه الاستراتيجية في المنطقة. فالجامعة العربية تقف في هذه المرحلة المفصلية في تاريخها أمام معضلة حقيقية بعد أن اتخذت الثورة السورية مسارا يكتنفه الغموض، ولغل المستفيد الأكبر في هذه المعادلة هو نظام بشار الأسد إذ أنها تسمح له كسب المزيد من الوقت والإمعان في ممارسة المزيد والمزيد من القمع. فأية نتيجة ستنتهي بها أحداث المسلسل الدموي في سوريا، وهل ستنتصر الثورة أم تكون دمشق هي محطة انتهاء رحلة قطار الربيع العربي..؟..