شكلت تصريحات المسؤول الديبلوماسي الروسي ميخائيل مارجيلوف أحد أبرز المقربين للرئيس ديمتري ميدفيديف أول أمس والتي أكد فيها أن موسكو لا تستطيع أن تفعل للرئيس السوري بشار الأسد أكثر مما فعلته، الحدث الأبرز في ما يتعلق بملف الأزمة السورية لكونها ربما تؤشر لبداية تغير في الموقف الروسي من داعم مستميت لنظام الرئيس بشار الأسد -لم يتردد في ارسال حاملات طائراته وسفنه الحربية إلى قاعدته البحرية في طرطوس، وفي استخدام «الفيتو» والتلويح به مجددا في وجه البلدان الغربية التي تسعى إلى إدانة النظام السوري في مجلس الأمن لإرغامه على التنحي بكل الوسائل بما فيها القوة إن استلزم الأمر ذلك- إلى مساندة لخيار تنحي الأسد عن سدة الحكم. فالروس يبدو أنهم الان بصدد تغيير سياسة التزموا بها إلى حد الان، فهم لم يعارضوا قرار الجامعة العربية القاضي بضرورة تخلي بشار الأسد عن صلاحياته لنائبه وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وهو ما اعتبرته السلطات السورية انتهاكا سافرا لسيادة سوريا وتدخلا في شؤنها الداخلية، رافضة قطعا كل ما أتى به اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة الأحد الماضي. هذا التغيير في الموقف الروسي قد يكون مرده إلى تطابق قرارات الجامعة العربية الأخيرة مع مقترحات روسية جرى تداولها بقوة قبل ثلاثة أشهر، وبالتحديد بعيد استخدامها حق النقض أمام مشروع قرار بريطاني يدين النظام السوري في مجلس الأمن ، وتضمنت مطالبة الرئيس الأسد بتسليم السلطة إلى نائبه فاروق الشرع، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تعد لانتخابات برلمانية ورئاسية، وتدخل إصلاحات سياسية شاملة. وتعزز هذا التوجه بتصريحات شديدة اللهجة للزعيم الروسي فلاديمير بوتين وجّه من خلالها «تحذيرا مبطنا» للرئيس الأسد بقوله «أما أن تبدأ بإصلاحات حقيقية أو ترحل». فالتطور المفاجئ في الموقف الروسي حيال الملف السوري لم يأت إلا بعد أن استنفذ صانعو القرار في موسكو جميع الحلول والمبررات التي تكفل لهم مواصلة مجابهة التيار والتصدي لمساعي الدول الغربية الحثيثة الساعية لمزيد تكريس عزلة نظام الأسد دوليا وإقليميا، في ظل غياب إرادة حقيقية للتغيير والإصلاح من قبل السلطات في دمشق وعدم إبدائها أي تجاوب مع المبادرة العربية التي تم بموجبها إرسال بعثة المراقبين العرب. فالرئيس السوري بشار الأسد يقف وحيدا في مواجهة المجتمع الدولي، والأهم من ذلك هو أن الخليجيين أبرز حلفاء والده حافظ الأسد الذي وقف معهم بقوة لإخراج القوات العراقية من الكويت باتو الان يريدون إزاحته عن سدة الحكم وانقلبوا عليه مثلما انقلبوا على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. وما يعمق من عزلته سياسيا في إقليمه وقوف أصدقائه من بقايا محور دول الممانعة على الحياد، بحيث التزموا بالصمت إزاء المبادرة العربية التي تطالبه بتنحيه. ومن هذا المنطلق يبدو أن الخطوات التي ستتخذها السلطات في دمشق حيال هذه التطورات لا يمكن لأي مهتم بالشأن السوري التنبؤ بها ومن المرجح أن الأسد نفسه يقف حاليا عاجزا على اتخاذ أي خطوة جديدة في ظل انسداد الأفق السياسي امامه، لكن ما بات جليا للعيان أن الخناق بدأ يضيق على الرئيس السوري ونظامه، في مرحلة تبخرت فيها جميع الحلول، لان الاستمرار في الحلول الأمنية يعد بمثابة الانتحار، والركوع أمام الضغوط الدولية يعد «أكثر من إهانة» بالنسبة للأسد..