تتواصل مظاهر الازدحام والاكتظاظ داخل المؤسسات العمومية خاصة منها مكاتب البريد والبلديات ومكاتب الضمان الاجتماعي وصناديق التأمين على المرض وغيرها من المكاتب ذات العلاقة المباشرة في خدماتها بالمواطن. ظاهرة لا علاقة لها بدرجة أولى بما تبع الثورة من سلوكات وانفلاتات على جميع الأصعدة بقدر ما هي نتيجة واضحة وموضوعية عن انخرام المنظومة الإدارية العمومية وضعف الإصلاحات التي شملت الإدارة التونسية منذ الثمانينات والتي بقيت على حد تقييم العديد من الخبراء والدارسين اصلاحات قصيرة المدى، سقطت في معظمها في إطار المحاباة وإسداء الخدمات للمسؤولين الكبار.
المسؤول والمواطن والعون
يوم الاثنين الفارط كان مكتب بريد وسط أريانة مكتظا بالحرفاء، يُعدّ عددهم بالعشرات من الوافدين منذ الساعات الأولى من الصباح، وسط نقص واضح في عدد الأعوان، فعدد الشبابيك كان 14 شباكا في حين لم يفتح منها سوى 7 شبابيك، علما وأنّ عونين كانا مكلفين بالخدمات البريدية و5 بالعمليات المالية. هذا النقص يتراءى للبعض بأنّه عائد إلى غياب الأعوان عن عملهم وهو ما بعث على التململ داخل صفوف الحرفاء، فمنهم من شرع يسبّ ويشتم ومنهم من أخذ ينقد الإدارة وينعتها بتعمد الإنفلات باسم الثورة. فالإشكال المطروح حسب قول علي بوخاتم رئيس مكتب أريانة بالنيابة أنه لم يقع القيام بدراسة معمقة من ناحية المستلزمات وربطها بالحاجة اليومية للمواطن، مقابل الإرتفاع المتزايد للعمليات المدرجة للمؤسسات البريدية والتي تكاد تتزايد من عام إلى آخر مضيفا أنّ جل عمليات الخلاص التابعة للمؤسسات العمومية بجميع اختصاصاتها مرتبطة بالبريد التونسي.
غياب التقييم
وقد أرجع علي بوخاتم هذا التضخم في العمليات إلى رغبة بعض المسؤولين السابقين في تسهيل المعاملات بين مختلف الوزارات دون القيام بدراسات تقييمية للتطورات التي يشهدها القطاع البريدي باعتبار أكثر المؤسسات ذات العلاقة المباشرة مع المواطن مبينا أنّ أكثر التطورات تهمّ الجانب التقني والللوجستي من ذلك طاقة استيعاب الخزينة المعلوماتية للمنظومة ككلّّ. وبالتالي فان الإصلاح يبدأ من الجذور بدءا بالانتدابات مرورا بالتكوين وتحسين العلاقات الاجتماعية داخل المؤسسة في علاقة العون بالمسؤول من جهة وعلاقة العون والموظف بالمواطن من جهة ثانية. فالتكوين كما يراه رئيس مكتب بريد أريانة بالنيابة يكون على نطاق أفقي لا عمودي، وبمزيد الإحاطة والرسكلة انطلاقا من المسؤول الأوّل نزولا إلى الموظف العادي، إلى جانب ضرورة تغيير معايير الانتداب التي يجب أن ترتكز أساسا على الامتحان التقني النفسي أما مستويات الإصلاح الأخرى فيمكن حصرها في تحسين العلاقات الاجتماعية بين العون والمسؤول وانشاء ثقافة الحوار داخل المؤسسة وتطوير العمل النقابي الهادف والذي يخدم مصلحة العون والموظف والعامل وغيرهم ومصلحة المؤسسة على حد السواء دون السقوط في التجاذبات وتصفية الحسابات.