خلافا لما كان منتظرا ومقررا سادت مراسم الاحتفال باليوم العالمي للمسرح التي انتظمت صباح أمس بقاعة الفن الرابع بالعاصمة أجواء من الحزن والقتامة اختلطت بأحاسيس الألم والغبن مثلما عبر عن ذلك عدد من المسرحيين الحاضرين بالمكان نظرا لتزامن عرسهم العالمي مع حادثة اعتداء بعض السلفيين على عدد من المسرحيين عندما كانوا بصدد تقديم عرض في الشارع يوم الأحد الماضي. أهمية الحدث الاحتفالي وخطر الحادثة كانا من العوامل التي دفعت أعدادا كبيرة من أهل الفن الرابع ومن قطاعات فنية أخرى للحضور في «لمّة» قاعة الفن الرابع التي فتحت أبوابها لاستقبال المسرحيين منذ مساء أول أمس إلا أن هذه اللمّة لم تخل من الأمل والاستشراف لواقع أفضل لا سيما أن وزير الثقافة السيد مهدي المبروك الذي حضر المناسبة أبدى بدوره رغبته في نصرة الثقافة والفنون إضافة إلى ما أبداه العدد الكبير من المسرحيين بين محترفين وهواة وطلبة من إصرار على التصدي للهجمات الشرسة التي ما انفك يتعرض لها الفنانون والمثقفون. فكان اللقاء مناسبة لطرح مشاغل ومشاكل القطاع. وفرصة للاتفاق حول جملة من المطالب أبرزها ضرورة توحيد صفوف كل الهياكل والجمعيات والنقابات والمستقلة في مرحلة أولى من أجل تحديد الاستراتيجية المثلى لوضع حدّ لكل العقبات والأفكار المهددة للإبداع. أما الخطوة الثانية التي اعتبرها المسرحيون ضرورة ملحة تستدعيها المرحلة فتتمثل في تأسيس «ترويكا ثقافية» تضمّ كل القطاعات الفنية والثقافية والفكرية لتكون جبهة قوية لحماية الإبداع.
مساندة غير مشروطة
حمل عدد كبير من المسرحيين ومن الفاعلين في مجالات ثقافية وفنية أخرى مسؤولية الهجمات الشرسة والخطر المحدق بكل مجالات الإبداع إلى سلطة الإشراف حتى أن بعض المسرحيين تجرّأ على مطالبة الوزير بالاستقالة من الحكومة نظرا لما أبدته أجهزتها من سكوت ولامبالاة تجاه الاعتداءات المتكررة على المثقفين والفنانين في العاصمة أو داخل الجهات كما رأى البعض الآخر أن السياسي قد خذل الفن والثقافة رغم أن الفاعلين في هذه القطاعات هم من الأوائل الذين أعلنوا الانتفاضة ضدّ النظام السابق والوقوف إلى جانب الشعب دون أقنعة ولم يحضروا الأنشطة والتظاهرات الفنية والثقافية. فيما طالب البعض الآخر الوزير بأن يكون سندهم وحامل رسالتهم إلى الحكومة. استمع وزير الثقافة إلى مداخلات المسرحيين التي كانت في مجملها في شكل مطالب واقتراحات ونداءات من أجل إنقاذ جانب هام من تاريخ وروح الشعب وفكره وطالب الحاضرين بعدم تحميل سلطة الإشراف وزر ما يقع نظرا للصعوبات والتحديات الكبيرة التي تواجهها بسبب عدم توحد جهود ومطالب ورؤى مختلف الميادين الثقافية وهو ما اعتبره من المشاكل الحقيقية التي يواجهها لأنه وجد ما يقارب 25 هيئة وهيكلا تابعا لقطاع السينما وما يقاربها في المسرح و7 أخرى في الفنون التشكيلية ودعا الجميع إلى ضرورة الاتفاق حول الخطوط العريضة للنهوض بهذه القطاعات. وعلل وزير الثقافة سبب عدم القدرة على الاستجابة إلى كل المطالب المطروحة بمحدودية الإمكانيات المادية للوزارة وبيّن أن حدود مصاريفها تقدر بما نسبته 25 بالمأة من الخزينة لأن ميزانية وزارة الثقافة لم تصرف بعد. ومن جهة أخرى بيّن الدكتور مهدي المبروك أن هذه المعضلة حالت دون تنفيذ 43 مبادرة جهوية للاحتفال باليوم العالمي للمسرح و16 مبادرة وطنية في ذات الإطار. كما تمّ التوصل بصعوبة لتوفير الدعم ل46 عرضا مسرحيا خلال هذه المناسبة. في المقابل عبر وزير الثقافة عن اعتزازه بكل لحظة في تاريخه السياسي نظرا لأنه ليس ثوريا وإنما تعدديا يؤمن بحرية الرأي والتعبير وينتصر للإبداع الذي يسمو بالفكر والذوق الإنساني ودعا المسرحيين إلى العمل بنفس الحماس والجدية والروح الإبداعية فيما عبر عن رفضه لمقولة ثالوث الجلاد والمنقذ والضحية.