اِتخذت الأحداث في سوريا مسارا دراماتيكيا، بحيث باتت عملية القتل والتعذيب والترهيب والتنكيل بالذات البشرية في حق الشعب السوري الأعزل بمثابة المسلسل اليومي -الذي يضطلع فيه الرئيس السوري بشار الأسد بدور «الجزار»- مما جعله تصدر عناوين الأخبار في جميع وسائل الإعلام العربية وحتى الغربية. فقد باتت الأزمة السورية معقدة جدا ولا يمكن حلها إلا بتغيير شامل للنظام السياسي الفاقد للشرعية، لأنه لا مجال لبقاء نظام فتح النار على شعبه ومارس العنف تجاهه. ومن الضروري التشديد على تنحي نظام الأسد كبداية لتحول جذري في البلاد استجابة لمطالب شعب ضحّى بالآلاف من أرواح شهدائه فداء للحرية والانعتاق من براثن الاستبداد، وهذا الكلام موجّه إلى الأممالمتحدة والجامعة العربية أساسا، لأن خطة مبعوث السلام كوفي أنان حادت عن ملامسة جوهر الأزمة السورية. فرغم أنها تطالب أساسا بضرورة وقف العمليات العسكرية التي يشنها النظام ضدّ معاقل المعارضة، إلا أن تلك الخطة تتراجع في المقابل عن الإصرار السابق الذي عبّرت عنه جل الدول الغربية والعربية على ضرورة تنحّي الأسد -الذي فقد شرعيته داخليا وخارجيا- بأسرع وقت ودون شروط وتسليم السلطة إلى حكومة وحدة وطنية كنقطة انطلاق للتوصل إلى حل سياسي، حيث لم تتضمن المقترحات الستة الواردة فيها أيّة إشارة صريحة إلى المطلب الجوهري للشعب السوري، ألا وهو رحيل الرئيس عن سدّة الحكم دون رجعة. نعلم أن وساطة أنان ترتكز أساسا على البعد الإنساني، من أجل احتواء الوضع ومحاولة تفادي الكارثة وفسح المجال للتدخل في أسرع وقت ممكن لإجلاء الجرحى وإيصال المساعدات الغذائية إلى محتاجيها، لكن لو خير الشعب السوري المنتفض بين موته وبقاء الأسد في سدّة الحكم ليوم واحد بممارساته الوحشية لخيّر الموت، ناهيك عن أن جلوس الأسد على طاولة المفاوضات مع أطياف المعارضة السورية سيكون في صالحه طالما لا يوجد نص صريح على تنحّيه، فالأسبقية الميدانية التي يحظى بها خاصة بعد أن كبدت قواته «الجيش الحرّ» هزيمة نكراء في حمص ودرعا وحي باب عمرو ستنعكس وجوبا على نتيجة أية مفاوضات بين الطرفين، بما يجعله هو الرابح والمستفيد الأكبر مهما قدم من تنازلات للمعارضة ما دام لا يزال متربعا على السلطة. كما أن استجابة النظام السوري لوقف العنف وسحب الآليات العسكرية من الشوارع لن يرى طريقه إلى التطبيق لأن النظام بالتأكيد سيواجه احتجاجات سلمية ضخمة وسيتذرع بها مجددا لاستئناف قصف معاقل المعارضة، والدليل على ذلك مواصلة قواته قصف مدينة حمص بالقذائف دون هوادة مخلفة وراءها عشرات القتلى من النساء والأطفال رغم موافقته على خطة أنان التي تنص على وقف العنف كأولوية مطلقة، ورغم الضغوط الدولية التي تدعوه إلى الالتزام بتعهداته.. ولعل الأيام المقبلة كفيلة ببيان ذلك.