قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    رابطة الهواة لكرة القدم (المستوى 1) (الجولة 7 إيابا) قصور الساف وبوشمة يواصلان الهروب    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صراع نفوذ بين رجال الأعمال، أم تنافس جهوي؟
ملف "الأسبوعي" بين الساحل وصفاقس

- لاشك أن الثقافة التي ترسخت عندنا خلال العشريات الاخيرة جعلتنا ننادي البعض حسب انتمائهم الجهوي، كان نقول ساحلي وصفاقسي وغيرهما من الأسماء..
ولاشك أيضا أن تركز الأموال والأعمال في صفاقس والساحل وخاصة سوسة قد رسّخ هذه الثقافة حتى بتنا نتخيل أن الصراع الموجود اليوم بين بعض رجال الاعمال والحملات الصحفية وغيرها التي يشنونها ويتعرضون اليها في الآن ذاته هي بمثابة صراع نفوذ بين قُطبيْ المال والأعمال في بلادنا.
والثابت أن هذا الصراع الذي يقوده أبناء الجهتين من أجل تنمية كل طرف لمنطقته حوّل وجهة الاستثمارات والبنية التحتية نحو الشريط الساحلي وصفاقس بينما بقيت قرابة 14 ولاية محرومة مما خلق تفاوتا جهويا.
ومن المؤكد أن طرح هذا الموضوع في مثل هذا الظرف هو بمثابة إنارة السبيل أمام هذه الحكومة أو حتى الحكومات المقبلة حتى تقرأ حسابا لهذا التفاوت وحتى لا تتواصل هجرة أهالي هذه المناطق الى المدن الكبرى.
ويجمع أغلب من تحدثنا إليهم على أن الصراع أو الجهويات في مجال المال والأعمال بين صفاقس والساحل غير موجودة لمجموعة من الأسباب المنطقية لكنهم أكدوا على أن كل جهة عادة ما يخدمها أبناؤها إذا وجدوا بنية تحتية صلبة ومناطق مهيأة..
«الأسبوعي» فتحت الملف وتساءلت عن حقيقة صراع النفوذ أو التنافس الجهوي في هذا الملف مع عثمان جنيح باعتباره مستثمرا سياسيا والمنصف خماخم (رجل أعمال) ومهدي بن غربية ومنصف السلامي وبلقاسم العياري والبشير بوجدي وأحمد بن صالح.

عثمان جنيح (مستثمر في القطاع السياحي) :تشجيعات الإستثمار في المناطق الداخلية تأخرت وغابت مبادرة أبناء الجهة
بالإمكان استغلال السياحة الرياضية في المناطق الغربية الحدودية
تختلف الرؤية بالنسبة الى عثمان جنيح (رجل أعمال) الذي يرى أن الخارطة الاقتصادية في تونس لها تضاريس تشكلت بعد الإستقلال عند بناء الدولة الحديثة عندما يقول:« الشريط الساحلي لا يهم سوسة بالذات بل يشمل عدة ولايات حيث تتوفّر السياحة الشاطئية التي يرتكز عليها ما بين 70 و80% من منتوجنا السياحي والتي تعتمدها وكالات الأسفار للمنافسة مع بلدان أخرى توفر نفس المنتوج وفي سوسة نجد النشاط نفسه وهذا ليس اختيارا بل فرضه حرفاؤنا»..
ويرى جنيح أنه من غير الممكن الحديث عن صراع نفوذ ولا أيضا تغييب للمناطق الداخلية كما أنه حسب طرح محدثنا لا يمكن الحديث عن منافسة أو جهويات لأن المسألة في الاستثمار ومنطق الربح غير مطروحة ويواصل الحديث عن القطاع السياحي الذي يمتاز به الشريط الساحلي قائلا:« مصر طورت سياحتها واتجهت نحو الغرب الى شرم الشيخ وتوجهت تركيا إلى انطاليا وغيرها وركزت فرنسا على الساحل الآزوردي وبالنسبة إلى المناطق الغربية ببلادنا فإن ما نقص نسبيا في العهد السابق رغم إنجاز مطار وملعب غولف في طبرقة هو مبادرات أهل الجهة حتى يغامروا وأيضا النقص في الاستثمار في البنية التحتية وانجاز الطرق السيارة مع جيراننا الجزائريين حتى تدخل الحركية على هذه المناطق...
ولاشك أن الامتيازات التي منحت للباعثين في العهد البائد لم تكن مجدية لغياب بنية تحتية في المناطق المحرومة تجعلها مهيأة للاستثمار أي رفعت شعارات لا غير ولكن لعثمان جنيح موقف آخر عندما يقول:«كان من الممكن تقديم تشجيعات للاستثمار لهذه المناطق بصفة مبكرة.. لكن هذه التشجيعات جاءت متأخرة في العهد السابق إذ لو منحت امتيازات إضافية للمستثمرين الأجانب لتم بعث معامل وغيرها لكن هذا ظهر متأخرا عندما تفاقمت البطالة»..
أما التقسيم الموجود حاليا الذي يعتبر إرثا إذ يقول رجل الأعمال عثمان جنيح:« عالميا البحر يجلب والشباب الذي يلتحق بسوسة للعمل يستقر صحبة عائلته بسوسة زيادة عن أن جامعة الوسط بسوسة تستوعب ما بين 30 و40 ألف طالب الذين يستقر عدد هام منهم في ما بعد بسوسة نظرا لغياب المرافق الأساسية للعيش في عديد المناطق الداخلية حيث لا تتوفر التجهيزات الترفيهية والثقافية والرياضية حيث كان من الممكن القيام بمجهود إضافي في المناطق الحدودية لتركيز السياحة الرياضية بتالة وعين دراهم وغيرها.. لكن تاريخيا تبقى المناطق الساحلية التي تجلب الاستثمارات وهذا موجود في كل بلدان العالم..».

العاصمة السياسية والاقتصادية
لا يمكن الحديث عن صراع نفوذ باعتبار أن العاصمة تستقطب جميع الميادين ففيما يرى البعض أنه وضع تفقير عديد المناطق والحظر على صفاقس يقول جنيح: «وجد رجال الأعمال أصيلي صفاقس مصلحة في الاستثمار بالعاصمة لأن فيها طاقة كبيرة للاستهلاك وأيضا تمنح فرصة الاقتراب من مناطق القرار والعلاقة بالخارج ووجدوا في الحمامات المساكن السنوية للراحة والقريبة من العاصمة حتى لا يفقدوا وجودهم في مؤسساتهم لأن العاصمة هي عاصمة سياسية واقتصادية في الوقت ذاته، توجد فيها البورصة والبنك المركزي والوزارات كما أن البنوك والمجموعات الاقتصادية الكبرى وحتى المجامع السياحية تعود لأصيلي صفاقس.. لهذا يبقى هذا التنافس الذي قد يتحدث عنه البعض غير موجود لأن العاصمة تستقطب كل شيء بما في ذلك الإدارة..».
وبالنسبة إلى الاستثمار في باقي المناطق فالمطلوب دائما وحسب جميع المحللين والأطراف المتداخلة يبقى رهين توفير البنية التحتية والطرقات..

تاريخية الصناعة في صفاقس والسياحة في سوسة ودور أحمد بن صالح !
التعاضد حول وجهة الصفاقسية من الفلاحة إلى الصناعة والتجارة
لا يمكن الحديث عن صراع نفوذ بين صفاقس والساحل على مستوى المال والأعمال لأن الاقتصاد يبنى على خصائص وظروف معينة حيث يقول عثمان جنيح:« تاريخيا ارتبطت الصناعات بالموانئ والتصدير والتوريد فمناجم الفسفاط كانت تسمى سابقا شركة قفصة صفاقس مما يعني أن صفاقس مدينة كبيرة تاريخيا ومن المناطق التي يبنى اقتصادها على التصدير لأن توفر الموانئ والسكك الحديدية من الركائز التاريخية للاقتصاد وقد انطلقت الصناعة في صفاقس في منتصف الستينات فبعد أن كان منتوج الجهة فلاحيا يعتمد زيت الزيتون خاصة جاءت فترة التعاضد ومجلة الاستثمارات التي أعدها أحمد بن صالح وتضمّنت المجلة تسهيلات وامتيازات ساعدت عديد رجال الأعمال والتجار بصفاقس على التوجّه الى الصناعة التي لم يشملها التعاضد.. إذن تاريخيا انطلاقة صفاقس في المجال الصناعي كانت بعد مؤتمر 1964 إذ كانت الصناعة مدعمة..».
التنافس وصراع النفوذ غير موجودين ولكن قطبيْ الاقتصاد (الصناعة والسياحة) بناهما المستثمرون ورجال المال والأعمال في نهاية الأمر حيث يقول جنيح:« التعاضد استثنى الصناعة والسياحة وقدمت تشجيعات وتمويلات وامتيازات جبائية للخواص ففي صفاقس تم التوجه نحو الصناعة وبتوفر رأس المال الخاص والمادة الشخمة والمبادرات تحولت صفاقس الى قطب صناعي وبالنسبة إلى سوسة وولايات الشريط الساحلي فقد وجدت في السياحة مجالا لتوظيف رأس المال الخاص ونجحت العملية في سوسة لأن رجال أعمال خواص وقفوا وراء ذلك في وقت كانت توجد فيه الشركة التونسية للنزل (مؤسسة عمومية) بعثت في المنستير 4 نزل وواحدا بالحمامات وآخر في جربة وواحدا في بنزرت لكن القطاع السياحي في سوسة تكوّن بمجهود خاص من أهالي المنطقة.. وفي ما بعد ظهرت السياحة الصحراوية وتم بعث مطار بتوزر.

منصف خماخم (رجل أعمال) :أبناء كل جهة مسؤولون عن تنمية مناطقهم لكن..!
ما يشد الانتباه في حديث المنصف خماخم رجل الأعمال المعروف هو أنه يعتبر صفاقس (رغم ما حققته) ضحية النظام البائد خاصة أنه كان في صراع مستمر مع النظام السابق والجميع يعرف قضيته الشهيرة مع اتحاد الصناعة والتجارة.
ولا يعترف خماخم بوجود صراع نفوذ بقدر ما يعتبر أن المنافسة الايجابية والشريفة أداة لتطوير الاقتصاد بما أن خراجها لتونس ككل وليس لمنطقة دون أخرى حيث يقول :« تركّز الإستثمار والمال والأعمال سواء بصفاقس أو الساحل سببه المنوال التنموي السابق الذي ارتبط بالعاصمة والساحل فعجلة التنمية توقفت في الجم لأن توظيف الامكانيات والمركزية دفعتا المستثمرين للإقتصار على هذه المناطق حتى أننا نجد اليوم أغلب المستثمرين المنتمين لصفاقس في العاصمة لذلك من يتحدث عن مسألة الجهويات فهو مخطئ..»
ولا يعترف منصف خمام إلا بالمنافسة عندما يقول:« إن وجد صراع (ولا أريد أن أقول صر اع نفوذ) فهو نزيه ومن المفترض أن نلمس هذا التنافس في كل الجهات لأن أبناء الجهة هم المسؤولون عن تنمية مناطقهم كما أنه علينا أن نأخذ المنطلق الايجابي للبعد الجهوي كلما وفرت الدولة البنية التحتية اللازمة للاستثمار في المناطق الداخلية، فسيدي بوزيد وغيرها من المناطق التي لم تنل حظها من التنمية لها أبناؤها من المستثمرين ورجال المال والأعمال لكنهم موجودون في العاصمة وبعض المدن الكبرى لأن هذه المناطق لا يستطاب فيها العيش لغياب شتى مرافق الحياة والبنية التحتية اللازمة لبعث الاستثمارات ما عدا ذلك فتونس للجميع»..
لكل طرف رؤية سياسية ومعالجة معينة لهذه الظاهرة التي لها رواسب تاريخية إلا أنه لمنصف خماخم موقف مخالف عندما يقول:« المستثمر يصنع حيث يبيع منتوجه أي أين تتوفر طاقة استهلاك وتتركز الامكانيات على الاستثمار حيث توجد الطرقات السيارة التي تغيب عن المناطق الداخلية وكذلك الموانئ والمطارات وإذ يبقى الأمل على أبناء كل جهة للنهوض بجهاتهم فلابد أن نعرّف بأن رأس المال جبان ولهذا لابد أولا أن نضبط استراتيجية واضحة المعالم تبرز نقاط قوة كل منطقة داخلية مع تمكين المستثمرين من التشجيعات اللازمة لتلبية الطلب الرئيسي وهو تنمية هذه المناطق وذلك لن يكون إلا بمساعدة هؤلاء المستثمرين من الامكانيات اللازمة للانتصاب في جهاتهم مع ضرورة توفير بنية تحتية وعندها ستكون مجالات الاستثمار مفتوحة لكل الأطراف...».

تحويل صفاقس الى قرية صغيرة في زمن العولمة!
تفقير المناطق الداخلية من الطبقات الوسطى والميسورة !
قد يخطئ من يعتقد أن صفاقس تحظى بعناية خاصة ممّا حوّلها إلى قطب اقتصادي كبير أو عاصمة اقتصادية إذا ما أخذنا بوجهة نظر رجل الأعمال منصف خماخم الذي يرى أن هناك نية لتحويلها الى قرية صغيرة مما يدحض حسب محدثنا أية فكرة حول صراع النفوذ والجهويات..
ويقول المنصف خماخم في هذا السياق:« النظام السابق اعتمد منوال تنمية جعل من العاصمة والمناطق القريبة منها مركزا لجل الاستثمارات بحيث تم تفقير الجهات من الطبقات الوسطى والميسورة التي تركزت في العاصمة على حساب المناطق الداخلية بدليل أن جل المستثمرين الصفاقسية موجودون في العاصمة..».
ويفسر ذلك منصف خماخم بالقول أيضا:« عدد المؤسسات التي انتصبت في صفاقس سنة 1980 مقارنة باليوم لم يتطوّر أي لم يتغيّر هذا العدد خاصة أن نسبة المؤسسة الأجنبية المنتصبة بصفاقس صفر فاصل وصفاقس تضررت فالطريق السيارة لم تصلها إلا مع 2008 وكذلك المطار في زمن العولمة والمنافسة فقد كان الجميع يعتبر صفاقس قطبا اقتصاديا لكن الامكانات اللازمة لذلك وصلتها متأخرة وهو ما أدّى إلى غلق عدة مؤسسات ونقل مؤسسات أخرى الى العاصمة خاصة..
وبالتالي كان هناك خطر يطوّق صفاقس وكانت هناك نية «لتهجير» المستثمرين الى مناطق أخرى..».

مهدي بن غربية (رجل أعمال وعضو المجلس التأسيسي) :الإعفاءات الجبائية لا تعوض البنية التحتية في المناطق الداخلية
لماذا يتركز رجال المال والأعمال في صفاقس والشريط الساحلي وتحديدا في الساحل التونسي؟ الإجابة عنه تختلف من شخص إلى آخر لكن القاسم المشترك بين جميع المتدخّلين في الشأن الاقتصادي والسياسي هو أن عدم توفر بنية تحتية بالمناطق الداخلية حوّلها إلى جهات محرومة لا تستهوي المستثمر ومهدي بن غربية (رجل أعمال وعضو المجلس الوطني التأسيسي عن الديمقراطي التقدمي) له نفس الرأي...
يقول بن غربية:« هذا التقسيم موروث، هذا لاشك فيه لكن الاستثمار تركّز في صفاقس والشريط الساحلي لأن رجل الأعمال لا يفكّر في الجهة بقدر ما تهمّه البنية التحتية فرغم ما منح من تشجيعات وإعفاءات جبائية للمستثمرين من أجل بلوغ المناطق الداخلية لم يكن الأمر ممكنا لأن أغلب صناعاتنا تعتمد التصدير وهي أيضا صناعات تحويلية وهذا المجال يتطلب توفر طرقات سيارة وبنية تحتية تساعد على الوصول الى المناطق الداخلية وتكون عملية التصدير وترويج المنتوجات ميسّرة بالنسبة إلى المستثمر لأن عامل الكلفة ومنطق الربح حاضران بقوة لدى كل مستثمر ولابد من الضغط على التكاليف لتحقيق هامش الربح المطلوب وبالتوازي مع ذلك يرتفع نسق التنمية...».
ولا يرجح مهدي بن غربية ما يعتبر صراع نفوذ بل لا يعترف بوجوده عندما يقول:« مثل هذا الكلام هو ذر رماد على العيون لأن أول شرط للاستثمار في أية منطقة كانت هو توفر الطرقات الرئيسية وتهيئة المناطق الصناعية ولا يمكن للاعفاءات الجبائية أن تحل المشكل أو تعوض انعدام البنية التحتية لأن أول استثمار في المناطق يقتضي تدخل الدولة لمدّ الطرقات وتوفير المرافق وتهيئة الأرضية لرجال الأعمال والمال...».

أكبر استثمار في بنزرت صاحبه أصيل صفاقس
المستثمر لا يمكنه الاستقرار إلا في المنطقة التي تجمع بين القرب للعاصمة حيث موقع القرار وأيضا المنطقة المهيأة التي يمكن أن تستوعب المشاريع الصناعية وبالتالي بقيت المناطق التي لا تتوفر على هذه الامكانيات محيدة لكن لا يكفي أن تكون دائما المنطقة التي يستثمر فيها قريبة من العاصمة بل الشرط الأساسي هو توفر الأرضية اللازمة لبعث المشاريع وتلك حال بنزرت مثلا...
يوضح مهدي بن غربية هذا التصور بالقول:« في بنزرت مثلا تقف حدود الاستثمار في ماطر وعندما نتجاوز هذه المنطقة باتجاه جومين وسجنان يصعب الاستثمار لأن الطريق الرابطة بين المنطقتين وماطر تكاد تكون غير قابلة للاستعمال... كما أنه عندما تفيض الجسور والطرقات في هذه الأماكن لا يمكن الحديث عن استثمارات وشخصيا لديّ شركة ببنزرت وأخرى في العاصمة فهل هذا داخل في صراع النفوذ... بالطبع لا خاصة إذا علمنا أن أكبر مشروع استثماري في بنزرت صاحبه أصيل صفاقس...».

«كيف يشكو من الظمإ من له هذه العيون؟»
صحيح أن الاستثمار يتطلب تهيئة المناطق الصناعية وإقامة بنية تحتية صلبة وهو ما لم يتوفّر بالمناطق الداخلية التي تشبه طرقاتها مسالك وعرة ومسالك ريفية حتى عزلت عن المدن الكبرى وتعمّق الفارق بين الصنفين من المدن.
على أن كل ذلك لا يمكن أن يكون الشجرة التي تغطي الغابة حيث لو توفرت إرادة سياسية حقيقية زمن بورقيبة ومن بعده في العهد البائد لما وجدت هذه الهوّة بين المناطق المحرومة والمدن الكبرى في الشريط الساحلي وأيضا صفاقس..
في الشمال الغربي تتوفر ثروات متنوعة (حضارة ومنتوجات سياحية) متنوعة وثروات طبيعية مختلفة (مناجم وغابات) وفلاحة كان يمكن تحويلها الى فلاحة عصرية متطورة لتصبح احدى الركائز الأساسية للبلاد.. وبالتالي الفقر المدقع في هذه الربوع ليس سببه انعدام الثروات الطبيعية بل سببه التهميش والاقصاء على امتداد العشريات الاخيرة مما يجعلنا نتساءل كما قال المرحوم محمد عبد الوهاب في احدى أغانيه «كيف يشكو من الظمإ من له هذه العيون؟»
فعلا كيف تشكو مناطق مثل الشمال الغربي وأقصى الجنوب التونسي الفقر وهي التي تحتكم على ثروات طبيعية هائلة وطاقات بشرية هامة لم تجد من يمّد لها يد المساعدة»..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.